للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الباب الرّابع: في تعريف مواضع التّحريف

نبيّن - بعون الله - في هذا الباب من تناقض إنجيل النصارى وتعارضه وتكاذبه وتهافته ومصادمة بعضه بعضاً ما يشهد معه من وقف عليه أنه ليس هو الإنجيل الحق المنَزَّل من عند الله١، وأن أكثره من أقوال الرواة وأقاصيصهم، وأن نقلته أفسدوه ومزجوه بحكاياتهم، وألحقوا به أموراً غير مسموعة من المسيح ولا من أصحابه مثل ما حكوه من صورة الصلب والقتل واسوداد الشمس وتغير لون القمر وانشقاق الهيكل، وهذه أمور إنما جرت في زعم النصارى بعد المسيح، فكيف تجعل من الإنجيل ولم تسمع من المسيح؟!.

والإنجيل الحقّ إنما هو الذي نطق به المسيح٢، وإذا كان / (١/٩٨/أ) ذلك كذلك فقد انخرمت الثقة بهذا الإنجيل وعدمت الطمأنينة بنقلته.


١ لقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بتحريف أهل الكتاب وكتمانهم وإخفائهم لما أنزله الله من البيّنات والهدى فقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} . [سورة آل عمران، الآية: ٧١] . وقال تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ... } . [سورة المائدة، الآية: ١٣] . وغيرهما من الآيات الكريمة.
ولقد أجمع المسلمون على وقوع التحريف في التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب المتقدمة إما عمداً وإما خطأ في ترجمتها وفي تفسيرها وشرحها وتأويلها، إلاّ أنهم اختلفوا في مقدار التحريف فيها؛ قال بعضهم: إن كثيراً مما في التوراة والإنجيل باطل ليس شئاً من كلام الله. ومنهم من قال: بل ذلك قليل، وقيل لم يحرف أحد من حروف الكتب، وإنما حرفوا معانيها بالتأويل، وقال بعضهم: إنه كانت توجد نسخ صحيحة من التوراة والإنجيل بقيت إلى عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم ونسخ كثيرة محرفة.
والذي نراه أن تحريفاً كثيراً قد وقع في كتبهم إلاّ أنه لا تزال فيها بقايا الوحي الإلهي المنَزّل على أنبيائه - عليهم الصلاة والسلام - وهذه البقايا ليست بالشيء القليل أيضاً - وطريق معرفتها هو موافقتها لما جاء في القرآن الكريم والسنة الصحيحة.
وأما أنواع التحريف في كتبهم فهو: تحريف بالتبديل، وتحريف بالزيادة، وتحريف بالنقصان، أي: بالحذف (والكتمان والخفاء) ، وتحريف بتغيير المعنى دون تغيير اللفظ، والشواهد على ذلك كثيرة جدّاً. (ر: مجموع الفتاوى ١٣/١٠٤، ١٠٥، والجواب الصحيح ١/٣٥٦، ٣٦٧، ٢/٥، ٣/٢٦٤، لابن تيمية، تفسير ابن كثير ١/٥٢٠، تفسير الرازي ١٠/١١٨، هداية الحياري ص ١٠٥، لابن القيم، التوراة دراسة تحليل ص ٦٤-٦٨، د. محمّد شلبي شتيوي) .
٢ قوله: "والإنجيل الحقّ ... "، نقله الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه: "إظهار الحق ص ١٩٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>