للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الباب الأوّل: في كون المسيح عبداً من عبيد الله بقوله وفتواه

ولندل على ذلك من كتبهم كما شرطنا في صدر الكتاب:

١- قال متى الحواري في الفصل الثامن من إنجيله: "قال الله في نبوة أشعيا - يعني المسيح - هذا١ فتاي الذي اصطفيت وحبيبي الذي ارتاحت له نفسي أنا واضع روحي عليه ويدعو إلى الحقّ"٢.

قلت: سمّاه الله عبداً مصطفى على لسان أشعيا وابتعثه مأموراً بدعوة الأمم أسوة غيره من الأنبياء، أورد ذلك متى في معرض الاسشتهاد على أهل العناد٣ حيث نسبه الفُجَّار إلى يوسف النجار٤، فقد تضافر الإنجيل ومحكم التنْزيل على عبودية عيسى وجعله داعياً للأمم كداود وموسى.


١ في ش: قال المؤلّف: "نقل ابن ربن والطرطوشي وابن عوف قوله هذا عبدي فكشفت عنه الأناجيل فلم أجده بهذه الترجمة، بل الذي وجدته في النسخ التي وقفت عليها كما وضعت، غير أن الفتى هاهنا هو العبد أو الصاحب كما دللت عليه من التوراة والإنجيل". والله أعلم.
٢ متى ٢/١٧، ١٨.
٣ أراد المؤلِّف بأهل العناد اليهود الذين رموا مريم الزنى مع يوسف النجار.
٤ يوسف النجار: تزعم المصادر النصرانية، أنه كان خطيب مريم العذراء على عادة اليهود في اتّخاذ العشير - حيث يخطب الشاب الفتاة من أهلها ثم يتعاشران بدون اتصال زوجي مدة من الزمن فإذا رضي كل واحد منهم الآخر تم الزواج - وقد أراد يوسف هجر مريم سراً حينما ظهرت عليها آثار الحمل إلاّ أن الملاك ظهر له في المنام وأخبره بالحقيقة، حينئذ قام يوسف برعايتها وابنها ولا يعرف عن يوسف بعد قيام المسيح الدعوة الجهرية، وأغلب الظن أنه مات قبل ذلك. ر: إنجيلي متى، لوقا، الإصحاح ١، ٢، والكنْز الجليل في تفسير الإنجيل ١/٧، وقاموس ص: ١١١٨، وتاريخ المسيحية - حبيب سعيد ص ٣٢، ٣٣. وقد انساق بضع المؤلّفين المعاصرين إلى رواية هذه الخطبة المزعومة بين مريم ويوسف النجار ونسبة المسيح عليه السلام إلى يوسف النجار من غير التعليق أو الرّدّ عليها، بل ذكر بعضهم أن ما جاء في الأناجيل بشأن هذه القصة لا يخالف ما في القرآن وبأنه أمر مسكوت عنه فلا نصدقها ولا نكذّبها ويصح إيرادها. ر: قصص الأنبياء ص ٣٨٢، ٣٨٣، عبد الوهّاب النجار.
فنقول: بأن القرآن الكريم والسنة الصحيحة لم يذكر فيهما شيء عن هذه الخطبة المزعومة ولم يثبت دليل لهذه العادة المذكورة، كما أن خطبة مريم ليوسف النجار لو كانت معروفة ومشتهرة لما استهجن قومها فعلتها، قال تعالى: {قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} . [سورة مريم، الآية: ٢٧، ٢٨.] . وذلك مما يدل على كذب النصارى فيما يزعمونه من علاقة يوسف بمريم، وأنه من الإسرائيليات التي لا نقبلها بل نكذّبها.
ر: نظرات في كتاب النبوة والأنبياء للصابوني ص ٧-١٠، محمّد أبو ريحم، التحذير من مختصرات الصابوني ص ١٨، ١٩، للشيخ بكر أبو زيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>