للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مقال آخر لمعاوية]

...

١٤٠- مقال معاوية:

فقال له معاوية:

"ويحك يابن الزبير! كيف تصف نفسك بما وصفتها، والله ما لك في القديم من رياسة، ولا في الحديث من سياسة، ولقد قدناك وسُدناك قديمًا وحديثًا، لا تستطيع لذلك إنكارًا، ولا عنه فرارًا، وإن هؤلاء الحضور ليعلمون أن قريشًا قد اجتمعت يوم الفجار١ على رياسة حرب بن أمية، وأن أباك وأسرتك تحت رايته، راضون بإمارته، غير منكرين لفضله، ولا طامعين في عزله، إن أمر أطاعوا، وإن قال أنصَتُوا، فأنزل فينا القيادة، وعز الولاية، حتى بعث الله عَزَّ وَجَلَّ محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،


١ حرب الفجار: هي حرب هاجت بين قريش وكنانة، وبين هوازن "من قيس عيلان" وسببها أن النعمان بن المنذر ملك الحيرة كان يبعث إلى سوق عكاظ في كل عام لطيمة "واللطيمة كصحيفة: العير التي تحمل الطيب والبز للتجارة" لتباع له هناك، ويشترى له بثمن ذلك أدم من أدم الطائف، وكان يرسل تلك اللطيمة في جوار رجل من أشراف العرب، فلما جهز اللطيمة كان عنده جماعة من العرب فيهم البراض بن قيس -وهو من بني كنانة، والبراض كشداد- وعروة الرحال بن عتبة -وهو من بني هوازن والرحال كشداد أيضًا- فقال، من يجيرها؟ قال البراض: أنا أجيرها على بني كنانة يعني قومه، فقال له النعمان: ما أريد إلا من يجيرها على أهل نجد وتهامة، فقال له عروة الرحال: أنا أجيرها لك على أهل الشيح والقيصوم من أهل نجد وتهامة، فقال البراض: أعلى بني كنانة تجيرها يا عروة؟ قال: وعلى الناس كلهم، فدفعها النعمان إلى عروة، فخرج بها، وتبعه البراض، وتربص به وقتله، فهاجت الحرب بين كنانة وهوازن، وعاونت قريش كنانة، وكان على كل قبيلة من قريش وكنانة سيدها، والقائد العام للجميع حرب بن أمية والد أبي سفيان، وقد قتل في هذه الحرب العوام بن خويلد والد الزبير، وقد حضرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وله من العمر أربع عشرة سنة، وقيل خمس عشرة، وقيل عشرون، والفجار بمعنى المفاجرة كالقتال بمعنى المقاتلة، سمت قريش هذه الحرب فجارًا؛ لأنها كانت في الأشهر الحرم فقالوا: قد فجرنا إذ قاتلنا فيها أي فسقنا، وقيل إنها لم تكن في الشهر الحرام وإنما سببها كان في الشهر الحرام، وهو قتل البراض لعروة الرحال، هذا هو الفجار الرابع وهو الأكبر، وكان قبله ثلاثة أفجرة أخرى- انظر السيرة الحلبية ١: ١٢٢، والعقد الفريد ٣: ٩١، وسيرة ابن هشام ١: ١١٦، ومجمع الأمثال ٢/ ٢٦٠-.

<<  <  ج: ص:  >  >>