للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٩٩- كلامه في مرضِهِ الذي مات فيه:

ودخل عليه مسلمة بن عبد الملك في المرضة التي مات فيها، فقال له: يا أمير المؤمنين إنك فطمت أفواه ولدك عن هذا المال، وتركتهم عالة١، ولا بد من شيء يصلحهم، فلو أوصيت بهم إلي أو إلى نظرائك من أهل بيتك، لكفيتك مئونتهم إن شاء الله" فقال عمر: أجلسوني. فأجلسوه، فقال:

"الحمد لله، أبالله تخوفني يا مسلمة! أما ما ذكرت ن أني فطمت أفواه ولدي عن هذا المال، وتركتهم عالة، فإني لم أمنعهم حقًّا هو لهم، ولم أعطهم حقًّا هو لغيرهم؛ وأما ما سألتى من الوصاة إليك، أو إلى نظرائك من أهل بيتي فإن وصيتي بهم إلى الله الذي نزل الكتاب، وهو يتولى الصالحين، وإنما بنو عمر أحد رجلين: رجل اتقى الله، فجعل الله له من أمره يسرا، ورزقه من حيث لا يحتسب، ورجل غيّر وفجر، فلا يكون عمر أول من أعانه على ارتكابه، ادعوا لي بني، فدعوهم، وهم يومئذ اثنا عشر غلامًا، فجعل يصعد بصره فيهم ويصوبه، حتى اغرورقت عيناه بالدمع، ثم قال: "بنفسي فتية تركتهم ولا مال لهم! يا بني: إني قد تركتكم من الله بخير، إنكم لا تمرون على مسلم ولا معاهد إلا ولكم عليه حق واجب إن شاء الله، يا بني مَيَّلْتُ٢ رأيي بين أن تفتقروا في الدنيا، وبين أن يدخل أبوكم النار، فكان


١ فقراء جمع عائل من عال يعيل عيلة "بفتح العين" أي افتقر.
٢ التمثيل بين الشيئين كالترجيح بينهما، تقول العرب: إني لأميل بين ذينك الأمرين، وأمايل بينهما أيهما آتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>