للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[طلب معاوية البيعة ليزيد]

[مدخل]

...

[طلب معاوية البيعة ليزيد]

لما كانت سنة ثلاث وخمسين، أظهر معاوية عهدًا مفتعلا، فقرأه على الناس فيه عقد الولاية ليزيد بعده، فلم يزل يروض الناس لبيعته سبع سنين، ويشاور، ويعطي الأقارب، ويداني الأباعد، حتى استوثق له من أكثر الناس.

فقال لعبد الله بن الزبير: "ما ترى في بيعة يزيد؟ " قال: "يا أمير المؤمنين، إني أناديك ولا أناجيك١، إن أخاك من صدقك، فانظر قبل أن تتقدم، وتفكر قبل أن تندم، فإن النظر قبل التقدم، والتفكر قبل التندم" فضحك معاوية وقال: "ثعلب رواغ! تعلمت السِّجَاعة٢ عند الكبر، في دون ما سجعت به على ابن أخيك ما يكفيك".

ثم التفت إلى الأحنف بن قيس، فقال: "ما ترى في بيعة يزيد؟ ". قال: "نخافكم إن صدقناكم، ونخاف الله إن كذبنا".

فلما كانت سنة خمس وخمسين كتب معاوية إلى سائر الأمصار أن يفدوا عليه، فوفد عليه من كل مصر قوم٣، وكان فيمن وفد عليه من المدينة محمد بن عمرو بن حزم، فخلا به معاوية، وقال له: "ما ترى في بيعة يزيد؟ "، فقال: يا أمير المؤمنين ما أصبح اليوم على الأرض أحد هو أحب إلي رشدًا من نفسك سوى نفسي، وإن يزيد أصبح غنيا في المال، وسطا في الحسب، وإن الله سائل كل راعٍ عن رعيته، فاتق الله،


١ ناجيته: ساررته.
٢ وفي العقد "الشجاعة" وهو تصحيف، ولم أجد "سجاعة" في كتب اللغة، وإنما الذي فيها هو "سجع" كشمس مصدر سجع كقطع، وأرى أنها سجاعة ككتابة، وقد ورد في كلام المبرد: "فإن المختار كان يدعي أنه يلهم ضربا من السجاعة لأمور تكون.. الخ".
٣ هكذا ورد في العقد الفريد، وفي مروج الذهب: أن وفود تلك الوفود كان سنة تسع وخمسين، والمفهوم مما ورد في الإمامة والسياسة أن وفودها كان قبل سنة ٥٠، وفي حياة الحسن بن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كما يتبين لك مما سيرد بعد "وقد توفي الحسن سنة ٤٩، أو سنة ٥٠ أو سنة ٥١".

<<  <  ج: ص:  >  >>