للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٩٦- خطبته وقد سارت إليه جيوش الشاش وفرغانة:

وأتى قتيبة السغد فحصرها شهرًا، وخاف أهلها طول الحصار؛ فكتبوا إلى ملك الشاش وفرغانة١ "إنا نحن دونكم فيما بينكم وبين العرب، فإن وُصِلَ إلينا كنتم أضعفَ وأذلَّ، فمهما كان عندكم من قوة فابذلوها. فجمعوا جموعهم، وولوا عليهم ابنًا لخاقان٢، وساروا وقد أجمعوا أن يُبيِّتوا عسكر قتيبة، ونمى ذلك إليه، فانتخب أهل النجدة والبأس ووجوه الناس، وخطبهم فقال:

"إن عدوكم قد رأوا بلاء٣ الله عندكم، وتأييده إياكم في مزاحفتكم ومكاثرتكم٤، كل ذلك يفلجكم٥ الله عليهم، فأجمَعُوا على أن يحتالوا غِرّتكم وبَيَاتَكم، واختاروا دهاقينهم٦ وملوكهم، وأنتم دهاقينُ العرب وفرسانُهم، وقد


= أجلوا عن ديارهم؛ توجه إلى كعب بن أسد القرظي؛ فحسن له نقض العهد؛ ولم يزل به حتى أجابه لقتال المسلمين؛ فاشتد وجل المسلمين؛ وزلزوا زلزالا شديدًا؛ وأرسل الله على الأعداء ريحًا باردة في ليلة مظلمة وجنودًا لم يروها، فأجمعوا أمرهم على الرحيل قبل أن يصبح الصباح: وكفى الله المؤمنين شرَّ الأحزاب، ولم يعتم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن سار إلى بني قريظة، فتحصنوا بحصونهم؛ وحاصرهم المسلمون خمسًا وعشرين ليلة؛ فلما ضاقوا بالحصار ذرعًا؛ طلبوا أن ينزلوا على ما نزل عليه بنو النضير؛ من الجلاء بالأموال وترك السلاح؛ فأبى الرسول إلا أن ينزلوا على حكمه ففعلوا؛ فتواثبت الأوس فقالوا: يا رسول الله؛ إنهم كانوا موالينا دون الخزرج؛ وقد فعلت في موالي إخواننا بالأمس ما قد علمت، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل بني قريظة قد حاصر بني قينقاع؛ وكانوا حلفاء الخزرج؛ فنزلوا على حكمه؛ فسأله إياهم عبد الله بن أبي بن سلول فوهبهم له؛ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا معشر الأوس ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا: بلى؛ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فذاك إلى سعد بن معاذ -وكان جريحًا من سهم أصيب به في غزوة الخندق- وأرسل من يأتي به؛ فقال: إني أحكم فيهم أن تقتل الرجال؛ وتقسم الأموال؛ وتسبى النساء والذراري، فقال عليه الصلاة والسلام: فقد حكمت فيهم بحكم الله يا سعد؟ ثم أمر بتنفيذ الحكم؛ فنفذ فيهم.
١ الشاش وفرغانة: كورتان وراء نهر سيحون متاخمتان للصين.
٢ خاقان: اسم لكل ملك من ملوك الترك؛ وقد خقَّنوه على أنفسهم: أي رأَّسُوه "بالتشديد".
٣ أي نعمته.
٤ كاثروهم فكثروهم: غالبوهم فغلبوهم.
٥ أي ينصركم عليهم؛ ويظفركم بهم.
٦ جمع دهقان بكسر الدال وضمها: زعيم فلاحي العجم، ورئيس الإقليم. معرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>