للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٩٩- وفد أهل الحجاز عند عمر بن عبد العزيز:

لما استخلف عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه؛ قدم عليه وفود أهل كل بلد، فتقدم إليه وفد أهل الحجاز؛ فاشرأب منهم غلام للكلام، فقال عمر: مهلًا يا غلام، ليتكلم من هو أسن منك، فقال الغلام: مهلًا يا أمير المؤمنين؛ إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا منح الله العبد لسانًا لافظًا، وقلبًا حافظًا؛ فقد استجاد له الحلية، ولو كان التقدم بالسن لكان في هذه الأمة من هو أحق بمجلسك منك، فقال عمر: صدقت، تكلم، فهذا السحر الحلال، فقال: يا أمير المؤمنين، نحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة١، قدمنا إليك من بلدنا، نحمد الله الذي من بك علينا، لم يخرجنا إليك رغبة ولا رهبة، لأنا قد أمنا في أيامك ما خفنا وأدركنا ما طلبنا، فقال: عظنا يا غلام وأوجز، قال: نعم يا أمير المؤمنين، إن أناسا غرهم حلم الله عنهم، وطول أملهم، وحسن ثناء الناس عليهم، فلا يغرنك حلم الله عنك، وطول أملك، وحسن ثناء الناس عليك، فتزل قدمك، فنظر عمر في سن الغلام، فإذا هو قد أتت عليه بضع عشرة سنة٢، فأنشأ عمر يقول:

تعلم فليس المرء يولد عالمًا ... وليس أخو علم كمن هو جاهل

وإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عليه المحافل

"مروج الذهب ٢: ١٦٩، وزهر الآداب ١: ٩"


١ رزأه ماله كجعل وعلم: أصاب منه شيئًا، ورزأه مرزئة: أصاب منه خيرًا، أي لسنا وافدين للعطاء.
٢ وفي زهر الآداب: "فسأل عمر عن سن الغلام فقيل عشر سنين".

<<  <  ج: ص:  >  >>