للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٠١- خطبة عبد الله بن الأهتم:

دخل عبد الله بن الأهتم على عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- مع العامة؛ فلم يفجأ عمر إلا وهو ماثل بين يديه يتكلم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

"أما بعد، فإن الله خلق الخلق، غنيًا عن طاعتهم، آمنًا من معصيتهم، والناس يومئذ في المنازل والرأي مختلفون، والعرب بشر تلك المنازل، أهل الوتر وأهل المدر، تحتاز دونهم طيبات الدنيا ورفاغة١ عيشتها، ميتهم في النار، وحبهم أعمى، مع ما لا يحصى من المرغوب عنه، والمزهود فيه؛ فلما أراد الله أن ينشر فيهم رحمته، بعث إليهم رسولًا منهم {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} ؛ فلم يمنعهم ذلك أن جرحوه في جسمه، ولقبوه في اسمه٢، ومعه كتاب من الله لا يرحل إلا بأمره ولا ينزل إلا بإذنه، واضطروه إلى بطن غار؛ فلما أمر بالعزيمة أسفر لأمر الله لونه، فأفلج٣ الله حجته، وأعلى كلمته، وأظهر دعوته، ففارق الدنيا نقيًا، صلى الله تعالى عليه وسلم، ثم قام بعده أبو بكر رضي الله تعالى عنه، فسلك سنته وأخذ سبيله، وارتدت العرب فلم يقبل منهم بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا الذي كان قابلًا منهم،


١ الرفاغة والرفاغية: سعة للعيش والخصب.
٢ فوصفوه بأنه ساحر، وكذاب، وكاهن، وشاعر.
٣ نصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>