للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤١٨- خطبة المستورد:

فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:

"أما بعد: فإن هذا الخرف معقل بن قيس قد وجه إليكم، وهو من السبئية١ المفترين الكاذبين، وهو لله ولكم عدو؛ فأشيروا علي برأيكم" فقال له بعضهم: والله ما خرجنا نريد إلا الله، وجهاد من عادى الله، وقد جاءونا فأين نذهب عنهم؟ بل نقيم حتى يحكم الله بيننا وبينه وهو خير الحاكمين، وقالت طائفة أخرى: بل نعتزل ونتنحى، ندعو الناس ونحتج عليهم بالدعاء.

فقال: "يا معشر المسلمين: إني والله ما خرجت ألتمس الدنيا، ولا ذكرها، ولا فخرها، ولا البقاء، وما أحب أنها لي بحذافيرها، وأضعاف ما يتنافس فيه منها بقبال٢ نعلي وما خرجت إلا التماس الشهادة، وأن يهديني الله إلى الكرامة، بهوان بعض أهل الضلالة؛ وإني قد نظرت فيما استشرتكم فيه؛ فرأيت أن لا أقيم لهم حتى يقدموا علي، وهم حامون متوافرون، ولكن رأيت أن أسير حتى أمعن؛ فإنهم إذا بلغهم ذلك خرجوا في طلبنا، فتقطعوا وتبددوا، فعلى تلك الحال ينبغي لنا قتالهم، فاخرجوا بنا على اسم الله عز وجل".


١ السبئية: أتباع عبد الله بن سبأ، وهو يهودي من صنعاء، أسلم زمن عثمان ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم، وغلا في علي، وزعم أنه نبي. ثم غلا فيه حتى زعم أنه إله، ودعا إلى ذلك قومًا من غواة الكوفة وأتى قوم منهم إلى علي فقالوا له: أنت هو، قال: ومن هو؟ قالوا: أنت الله، فاستعظم الأمر، وأمر بنار فأججت في حفرتين، وأحرقهم بها، فجعلوا يقولون وهم يرمون في النار: الآن صح عندنا أنه الله؛ لأنه لا يعذب بالنار إلا الله، ثم إن عليًا خاف من إحراق الباقين منهم شماتة أهل الشام، وخاف اختلاف أصحابه عليه، فنفى ابن سبأ إلى ساباط المدائن؛ فلما بلغه مقتل علي قال: لو أتيتمونا بدماغه سبعين مرة ما صدقنا موته، وزعم أن المقتول لم يكن عليًا، وإنما كان شيطانًا تصور للناس في صورة علي، وأن عليًا صعد إلى السماء كما صعد إليها عيسى بن مريم، ومن ابن سبأ انشعبت أصناف الغلاة.
٢ قبال النعل: زمام بين الأصبع الوسطى والتي تليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>