للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١١- خطبته وقد بلغه أن قومًا أظهروا شكاة بني العباس.

وبلغه أن قوما أظهروا شكاة بني العباس، فافترع المنبر، وحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

"أغد أهل الختر١ والتبديل؟ ألم يردعكم الفتح المبين٢، عن الخوض في ذم أمير المؤمنين؟ كلا والله حتى تحملوا أوزاركم وأوزار الذين كانوا من قبلكم، كيف قامت شفاهكم بالشكوى لأمير المؤمنين؟ بعد أن حانت آجالكم فأرجأها، وانبعثت دماؤكم فحقنها، الآن يا منابت الدمن، مشيتم الضراء٣، ودببتم الخمر٤، أما ومحمد والعباس إن عدتم لمثل ما بدأتم، لأحصدنكم بظبات السيوف، ثم يغني ربنا عنكم، ونستبدل غيركم، ثم لا يكونوا أمثالكم.

مهلًا يا روايا٥ الإرجاف، وأبناء النفاق، عن الخوض فيما كفيتم، والتخطي إلى ما حذرتم، قبل أن تتلف نفوس، ويقل عدد، ويذل عز، وما أنتم وتلك؟ ألم تجدوا ما وعد ربكم حقًّا من إيراث المستضعفين مشارق الأرض ومغاربها؟ بلى والحجر والحجر٦، ولكنه حسد مضمر وحسك٧ في الصدور، فرغما للمعاطس٨، وبعدًا للقوم الظالمين٩". "مواسم الأدب ٢: ١١٤".


١ الختر: الغدر، أو أقبحه.
٢ في الأصل "ألم ير علم الفتح المبين من الخوض في ذم أمير المؤمنين" وهو تحريف.
٣ الضراء: الشجر الملتف في الوادي، ويقال: توارى الصيد منه في ضراء، وفلان يمشي الضراء: إذا مشى مستخفيًا فيما يواري من الشجر.
٤ في الأصل "ودببتم الحمراء" وهو تحريف، وصوابه ما ذكرنا، والخمر بالتحريك: كل ما وراك من شجر أو بناء أو غيره، وخمر كفرح: توارى، ومن أمثالهم: "يدب له الضراء، ويمشي له الخمر" وهو مثل يضرب للرجل يختل صاحبه.
٥ الروايا جمع راوية: وهي المزادة فيها الماء.
٦ الحجر: حجر الكعبة، وهو ما حواه الحطيم المدار بالكعبة من جانب الشمال.
٧ الحسك: الحقد والعداوة.
٨ المعاطس جمع معطس كمجلس ومقعد وهو الأنف، والرغم: الذل.
٩ وروى صاحب العقد بعض هذه الخطبة وعزاها إلى أبي جعفر المنصور، فقال: "خطب المنصور حين خروجه إلى الشام فقال:
شنشنة أعرفها من أخزم ... من يلق أبطال الرجال يكلم
مهلًا مهلًا روايا الإرجاف، وكهوف النفاق.... إلى آخر الخطبة"، راجع العقد الفريد ٢: ١٤٥ –والشنشنة: الطبيعة والعادة، وهو مثل لأبي أخزم الطائي، وكان له ابن يقال له أخزم، وكان عاقا، فمات وترك بنين، فوثبوا يومًا على جدهم أبي أحزم فأدموه فقال:
إن بني ضرجوني بالدم ... شنشنة أعرفها من أخزم
أي أن هؤلاء أشبهوا أباهم في العقوق: يضرب في قرب الشبه، ويكلم: يجرح.

<<  <  ج: ص:  >  >>