للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٥- خطبة النفس الزكية حين خرج على المنصور:

لما خرج محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الملقب بالنفس الزكية١ على المنصور، قام على منبر المدينة، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:

"أيها الناس: إنه قد كان من أمر هذا الطاغية أبي جعفر من بنائه القبة الخضراء، التي بناها معاندة لله في ملكه، وتصغيره الكعبة الحرام، وإنما أخذ الله فرعون حين قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} . وإن أحق الناس بالقيام في هذا الدين أبناء المهاجرين الأولين، والأنصار المواسين، اللهم إنهم قد أحلوا حرامك، وحرموا حلالك وعملوا بغير كتابك، وغيروا عهد نبيك صلى الله عليه وسلم، وأمنوا من أخفت، وأخافوا من أمنت، فأحصهم عددًا، واقتلهم بددًا٢، ولا تبق على الأرض منهم أحدًا". "ذيل الأمالي ص١٢١".


١ كان بنو هاشم -الطالبيون والعباسيون- قد اجتمعوا أخريات العصر الأموي، وتذاكروا حالهم وما هم عليه من الاضطهاد، وما قد آل إليه أمر بني أمية من الاضطراب، واتفقوا على أن يدعوا الناس إليهم سرا، ثم قالوا لا بد من رئيس نبايعه، فاتفقوا على مبايعة النفس الزكية، وكان من سادات بني هاشم ورجالهم فضلًا وشرفًا وعلمًا، وشاء القدر أن يظفر العباسيون بالخلافة، نوليها السفاح ثم المنصور، ولم يكن المنصور هم منذ تبوأ عرشها سوى طلب النفس الزكية ليقتله، وأغراه بذلك أن الناس كانوا شديدي الميل إليه، وكانوا يعتقدون فيه الفضل والشرف والرياسة، فطلبه المنصور هو وأخاه إبراهيم من أبيهما عبد الله بن الحسن، فقال لا علم لي بهما -وكانا قد تغيبا خوفًا منه- فلما أطال عليه، قال: كم تطول؟ والله لو كانا تحت قدمي، لما رفعتهما عنهما، سبحان اللهَ! آتيك بولدي لتقتلهما! فقبض عليه، وعلى أهله من بني الحسن وحبسهم في سجن الكوفة حتى ماتوا فيه كما تقدم، ولم يزل النفس الزكية متغربًا منذ أمضت الدولة إلى بني العباس خوفًا منه على نفسه، فلما علم بما جرى لوالده ولقومه ظهر بالمدينة وأظهر أمره، وتبعه أعيان المدينة، ثم غلب عليها، وعزل عنها أميرها، ورتب عليها عاملًا وقاضيًا، فوجه المنصور لقتاله جيشًا بقيادة ابن أخيه عيسى بن موسى، فكانت الغلبة لعسكر المنصور، وقتل النفس الزكية، وحمل رأسه إلى المنصور سنة ١٤٥هـ.
٢ متبددين: متفرقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>