للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٨- مقال علي بن المهدي:

قال عليُّ بن المهدي: "أيها المهدي: إن أهل خُرَاسان لم يَخْلَعُوا عن طاعتك، ولم ينصبوا من دونك أحدًا، يقدح في تغيير ملكك، ويُريض الأمور لفساد دولتك، ولو فعلوا لكان الخَطْبُ أيسر، والشأن أصغر، والحال أدَلّ؛ لأن الله مع حقه الذي لا يخذُله، وعند موعده الذي لا يُخْلِفُه، ولكنهم قوم من رعيتك، وطائفة من شيعتك، الذين جعلك الله عليهم واليًا، وجعل العدل بينك وبينهم حاكمًا، طلبوا حقًا، وسألوا إنصافًا، فإن أجبت إلى دعوتهم، ونفَّست عنهم قبل أن يتلاحَم منهم حال، ويحدُث من عندهم فَتْق أطعتَ أمر الرب، وأطفأْتَ نائرة الحرب، ووفَّرت خزائن المال، وطرحت تغرير القتال، وحمل الناس مَحْمَل ذلك على طبيعة جودك، وسجيَّة حلمك، وإسجاح١ خليقتك، ومَعْدَِلة نظرك، فأَمِنت أن تُنْسَبَ إلى ضعف، وأن يكون ذلك فيما بقي دُرْبه، وإن منعتهم ما طلبوا، ولم تُجِبْهُم إلى ما سألوا، اعتدلت بك وبهم الحالُ، وساويتهم في ميدان الخطاب، فما أَرَبُ المهدي أن يعمِد إلى طائفة من رعيته مقرِّين بمملكته، مُذْعنين بطاعته، لا يخرجون أنفسهم عن قدرته، ولا يبرئونها من عبوديته، فيملِّكهم أنفسهم، ويخلع نفسه عنهم، ويقف على الحيل معهم، ثم يجازيهم السوء في حَدِّ المقارعة ومضمار المخاطرة. أيريد المهدي -وفقه الله- الأموالَ؟ فلعمري لا ينالها ولا يَظْفَر بها إلا بإنفاق أكثر منها مما يطلب منهم وأضعاف ما يَدَّعِي قِبَلَهُم، ولو نَالَهَا فَحُمِلَتْ إليه، ووُضِعَتْ بِخَرَائِطِهَا٢ بين يديه


١ الإسجاح: حسن العفو.
٢ جمع خريطة: وهي وعاء من أدم وغيره يصرح على ما فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>