للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٩- مقال موسى بن المهدي:

فقال موسى:

"أيها المهدي: لا تَسْكُن إلى حلاوة ما يجري من القول على ألسنتهم، وأنت ترى الدماء تسيل من خلَلَ فعلهم، الحال من القوم ينادي بِمَضْمَرَة شر، وخَفِيَّةِ حِقْد، قد جعلوا المعاذير عليها سترًا، واتخذوا العلل من دونها حجابا، رجاء أن يدافعوا الأيام بالتأخير، والأمور بالتطويل، فيكْسِرُوا حيل المهدي فيهم، ويُفنوا جنوده عنهم، حتى يتلاحم أمرهم، وتتلاحق مادتهم، وتستفحل حربهم، وتستمر الأمور بهم والمهدي من قولهم في حال غِرَّة، ولباس أمنة، قد فَتَرَ لها، وأنس بها، وسكن إليها. ولولا ما اجتمعت به قلوبهم، وبردت عليه جلودهم من المناصبة بالقتال، والإضمار للقراع، عن داعية ضلال، أو شيطان فساد، لَرَهِبُوا عواقب أخبار الولاة، وغِبّ بسكون الأمور، فليشدد المهدي -وفقه الله- أزره١ لهم، ويكتّب كتائبه نحوهم، وليضع الأمر على أشد ما يحضره فيهم، وليوقن أنه لا يعطيهم خُطَّةً يريد بها صلاحهم، إلا كانت دُرْبَة إلى فسادهم، وقوة على معصيتهم، وداعية إلى عودتهم، وسببًا لفساد من بحضرته من الجنود، ومن ببابه من الوفود الذين إن أقرَّهم وتلك العادة، وأجراهم على ذلك الأرَب، لم يبرح في فَتْقٍ حادث، وخلاف حاضر، لا يصلح عليه دين، ولا تستقيم به دنيا، وإن طلب تغييره بعد استحكام العادة، واستمرار الدُّرْبِة، لم يصل


١ القوة والظهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>