للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦٣- مقال محمد بن الليث:

قال محمد بن الليث:

"أهل خراسان أيها المهدي قوم ذوو عزة ومنعة، وشياطين خَدَعة، زروع الحمية فيهم نابتة، وملابس الأَنَفة عليهم ظاهرة، فالرويَّة عنهم عازبة والعجلة فيهم حاضرة، تسبق سيولهم مطرهم، وسيوفهم عَذْلهم، لأنهم بين سِفْلة. لا يعدو مبلغ عقولهم منظر عيونهم، وبين رؤساء لا يُلْجَمُون إلا بشدة ولا يُفْطَمُون إلا بالمُرِّ، وإن ولَّى المهدي عليهم وضيعًا لم تَنْقَد له العظماء، وإن ولَّى أمرهم شريفا تحامل على الضعفاء وإن أخر المهدي أمرهم، ودافع حربهم، حتى يصيب لنفسه من حشمه ومواليه أو بني عمه أو بني أبيه ناصحا، يتفق عليه أمرهم، وثقة تجتمع له أملاؤهم١ بلا أَنَفة تَلْزَمهم. ولا حمية تدخُلهم، ولا مصيبة تنفِّرهم، تنفَّست الأيام بهم، وتراخت الحال بأمرهم. فدخل بذلك من الفساد الكبير، والضياع العظيم، ما لا يتلافاه صاحب هذه الصفة وإن جَدَّ، ولا يستصلحه وإن جهد، إلا بعد دهر طويل، وشر كبير، وليس المهدي -وفقه الله- فاطما عاداتهم، ولا قارعًا صَفَاتهم٢، بمثل أحد رجلين لا ثالث لهما، ولا عِدْل٣ في ذلك بهما، أحدهما لسان ناطق موصول بسمعك، ويد مُمَثِّلة لعينك، وصخرة لا تُزَعْزَع، وبُهْمَة٤ لا تُثْنَى، وبازل٥ لا يفزعه صوت الجُلجُل، نقيّ العرض، نزيه النفس، جليل الخطر٦ اتَّضعت الدنيا عن قدره، وسما نحو الآخرة


١ جمع ملأ كسبب: وهو الجماعة.
٢ الصفاة: الحجر الصلد الضخم.
٣ العدل: النظير.
٤ البهمة: الصخرة، والشجاع الذي لا يهتدي من أين يؤتى.
٥ البازل: الجمل في السنة التاسعة، والرجل الكامل في تجربته.
٦ القدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>