للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨٥- قوله بعد خروجه من السجن:

ولما خرج من السجن وذكر الرشيد وفعله به قال:

"والله إن الْمُلك لشيءٌ ما نَوَيته، ولا تمنَّيته، ولا نصبتُ له ولا أرَدْتُه، ولو أردته لكان إليَّ أسرع من الماء إلى الحدور١، ومن النار إلى يبس العَرْفَجِ٢، وإني لمأخوذ بما لم أَجْنِ، ومسئول عما لا أَعْرِف، ولكنه حين رآني للملك قَمِينا٣، وللخلافة خطيرًا٤، ورأى لي يدا تنالها إذا مُدَّت، وتبلغها إذا بُسِطت، ونفسا تكمُل لخِصَالها، وتستحقها بفِعَالها، وإن كنت لم أختَرْ تلك الخِصَال، ولم أصْطَنع تلك الفِعَال، ولم أترشَّح لها في السِّر، ولا أشرتُ إليها في الجهر، ورآها تحِنُّ إليَّ حنين الوالدة الوالهة، وتميل إليَّ ميل الهَلُوك٥، وخاف أن ترغب إلى خير مَرْغَب، وتنزع إلى أخصب مَنْزِع، وعاقبني عقاب من سهر في طلبها، وجهد في التماسها، فإن كان إنما حبسني على أني أصلُح لها وتصلُح لي، وأليق بها وتليق بي، فليس ذلك بذنب جنيته فأتوب منه، ولا تطاولت له فأحطُّ نفسي عنه، وإن زعم أنه لا صَرْف لعقابه، ولا نجاة من عذابه، وألا بأن أخرج له من جِدِّ العلم والحلم والحَزْم، فكما لا يستطيع المضْياعُ أن يكون مصلحا، كذلك لا يستطيع العاقل أن يكون جاهلا،


١ المكان المنحدر.
٢ شجر.
٣ جديرا.
٤ عظيم القدر.
٥ الفاجرة المتساقطة على الرجال.

<<  <  ج: ص:  >  >>