للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠٢- مقال عبد الملك بن صالح للأمين:

وكان عبد الملك بن صالح يشكر للأمين تخلية سبيله، ويوجب بذلك على نفسه طاعته ونصيحته، فلما قوي طاهر، واستعلى أمره، وهزم من هزم من قواد الأمين وجيوشه، ودخل عبد الملك على الأمين، فقال:

"يا أمير المؤمنين: إني أرى الناس قد طَمِعوا فيك، وأهل العسكرين قد اعتمدوا ذلك، وقد بذلت سماحتك، فإن تممْتَ على أمرك أفسدتهم وأبطرتهم، وإن كففت أمرك عن العطاء والبذل أسخطَتْهم وأغضبتهم، وليس تملك الجنود بالإمساك، ولا يبقى ثبوت الأموال على الإنفاق والسَّرَف، ومع هذا فإن جندك قد رعبتهم الهزائم ونَهِكَتهم، وأضعفتهم الحرب والوقائع، وامتلأت قلوبهم هيبة لعدوهم، ونكولا١ عن لقائهم ومناهضتهم، فإن سيرتهم إلى طاهر، غلب بقليل من معه كثيرهم، وهزم بقوة نيته ضعف نصائحهم ونيَّاتهم، وأهل الشأم قوم قد ضرَّستهم٢ الحرب، وأدَّبتهم الشدائد، وجلُّهم منقاد إليَّ، مسارع إلى طاعتي، فإن وجهني أمير المؤمنين اتخذت له منهم جندًا يعظم نِكايتهم في عدوه، ويؤيِّد الله بهم أولياءه وأهل طاعته".

فقال الأمين: "فإني مُوليك أمرهم، ومقويك بما سألت من مال وعُدَّة، فعجِّلْ الشخوص إلى ما هنالك، فاعمل عملًا يظهر أثَرُه، ويُحْمَد بركته، برأيك ونظرك فيه إن شاء الله، فولاه الشام والجزيرة.

"تاريخ الطبري ١٠: ١٦١، والكامل لابن الأثير ٦: ١٠٣".


١ جبنًا وخوفًا.
٢ جربتهم وأحكمتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>