للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠٨- خطبة الأمين وقد تولى الأمر عنه:

ولما رأى الأمين الأمر قد تولَّى عنه، وأنصاره يتسلَّلون فيخرجون إلى طاهر، أمر بإحضاره كلُّ من كان معه في المدينة من القواد والجند، فأشرف عليهم وقال:

"الحمد لله الذي يرفع ويضع، ويعطي ويمنع، ويقبض ويبسط، إليه المصير، أحمده على نوائب الزمان، وخذلان الأعوان، وتشتت الرجال، وذهاب الأموال، وحلول النوائب، وتوفد المصائب، حمدا يدَّخِر لي به أجزل الجزاء، ويَرْفِدني١ أحسن العزاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كما شهد لنفسه، وشهدت له ملائكته، وأن محمدا عبده الأمين، ورسوله إلى المسلمين صلى الله عليه وسلم، آمين رب العالمين.

أما بعد: يا معشر الأبناء، وأهل السَّبْقِ إلى الهدى، فقد علمتم غفلتي كانت أيام الفضل بن الربيع وزير علي ومشير، فمادَّت٢ به الأيام بما لَزِمَني به من الندامة في الخاصة والعامة، إلى أن نبَّهتموني فانتبهت، واستعنتموني في جميع ما كرهتم من نفسي وفيكم، فبذلت لكم ما حواه ملكي، ونالته مقدرتي مما جمعته وورثته عن آبائي فقوَّدت٣ من لم يجز، واستكفيت من لم يَكْفِ، واجتهدت -عَلِمَ الله- في طلب رضاكم بكل ما قدرت عليه، واجتهدتم -عَلِمَ الله- في مساءتي في كل يوم ما قَدِرْتُم عليه، من ذلك توجيهي إليكم علي بن عيسى شيخكم وكبيركم، وأهل الرأفة بكم، والتحنُّن عليكم، فكان منكم ما يطول ذكره، فغفرت الذنب، وأحسنت واحتملت وعزيت نفسي عند معرفتي بشذوذ الظفَر، وحرصي على مُقَامكم مَسْلحةً٤ بحلوان مع ابن كبير صاحب دعوتكم، ومَنْ على يدي أبيه٥ كان فخركم، وبه تمت طاعتكم


١ رفده وأرفده: أعطاه.
٢ طاولته وأمهلته.
٣ أي اتخذته قائدا.
٤ المسلحة: القوم ذوو سلاح.
٥ يعنى جد عبد الله بن حميد بن قحطبة، وهو قحطبة بن شبيب الطائي، أحد الدعاة العباسية والقواد الذين قاتلوا الجيوش الأموية -انظر الجزء الثاني ص٥١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>