للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٥٨- أبو زبيد الطائي يصف الأسد:

قال عثمان بن عفان رضي الله عنه يومًا لأبي زبيد: حرملة بن المنذر الطائي –وكان نصرانيًا- يا أخا تبع المسيح، أسمعنا بعض قولك، فقد أنبئت أنك تجيد، فأنشده قصيدة له في وصف الأسد، فقال عثمان: تالله تفتأ تذكر الأسد ما حييت! والله إني لأحسبك جبانًا هرابًا، قال: كلا، يا أمير المؤمنين، ولكني رأيت منه منظرًا، وشهدت منه مشهدًا، لا يبرح ذكره يتجدد ويتردد في قلبي، ومعذور أنا يا أمير المؤمنين غير ملوم، فقال له عثمان: وأنى كان ذلك؟ قال:

"خرجت في صُيَّابَة١ أشراف من أبناء قبائل العرب، ذوي هيئة وشارة٢ حسنة، ترمى بنا المهارى٣ بأكسائها٤، ونحن نريد الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشأم، فاخروَّط٥ بنا السير في حمارة القيظ، حتى إذا عصبت الأفواه، وذبلت الشفاه، وشالت٦ المياه، وأذكت الجوزاء المعزاء٧، وذاب الصيهب٨، وصر الجندب٩ وأضاف العصفور الضب في وكره، وجاوره في جحره، قال قائل: أيها الركب، غوروا١٠ بنا في دوح هذا الوادي، وإذا واد قد بدا لنا كثير الدغل١١، دائم الغلل١٢


١ الصيابة بالتشديد وتخفف: الخالص والصميم والخيار من الشيء.
٢ الشارة: الهيئة واللباس والزينة، والجمال.
٣ مهرة بن حيدان "بفتح الميم والحاء": حي تنسب إليه الإبل المهرية، وجمعها مهارى "بفتح الميم والراء" ومهار "منقوصًا" ومهاري.
٤ الأكساء: جمع كسء "كقفل وعنق" وكسء كل شيء: مؤخره.
٥ اخروط بهم الطريق: طال وامتد.
٦ قلَّت.
٧ أذكت: أشعلت، والمعزاء من المعز بالتحريك: وهو الصلابة، مكان أمعز وأرض معزاء، كناية عن اشتداد الحر.
٨ الصيهب: الصخرة الصلبة والموضع الشديد، وكل موضع تحمى عليه الشمس حتى ينشوي اللحم عليه.
٩ نوع من الجراد، وصر: صوت.
١٠ الغور والغئور: الدخول في الشيء. والدوح: جمع دوحة، وهي الشجرة العظيمة.
١١ الدغل: الشجر الكثير الملتف، واشتباك النبت وكثرته.
١٢ الغلل: الماء الذي يجري بين الشجر.

<<  <  ج: ص:  >  >>