للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣١٢- خطبة علي في تخويف أهل النهروان:

فلما نزلوا بالنهروان، وأتوا بها ما أتوا من الأحداث١، وأتاهم الإمام علي كرم الله وجهه، فوقف عليهم فقال:

"أيها العصابة التي أخرجها عداوة المراء واللجاجة، وصدها عن الحق الهوى، وطمح بها النزق٢ وأصبحت في اللبس والخطب العظيم، إني نذير لكم أن تصبحوا تلفيكم الأمة غدًا صرعى بأثناء٣ هذا النهر، وبأهضام٤ هذا الغائط٥، على غير بينة من ربكم، ولا سلطان مبين معكم، وقد طوحت بكم الدار، واحتبلكم٦ المقدار.

ألم تعلموا أني نهيتكم عن الحكومة، وأخبرتكم أن طلب القوم إياها منكم دهن٧ ومكيدة لكم؟ ونبأتكم أن القوم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، وأني أعرف بهم منكم؟


١ من ذلك أنهم لقوا عبد الله بن خباب بن الأرت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه امرأته وهي حبل متم "أي دنا ولادها" فقالوا: ما تقول في أبي بكر وعمر؟ فأثنى عليهما خيرًا، قالوا: ما تقول في عثمان في أول خلافته وفي آخرها؟ قال: إنه كان محقًّا في أولها وفي آخرها، قالوا: فما تقول في علي قبل التحكيم وبعده؟ قال: إنه أعلم بالله منكم وأشد توقيا على دينه وأنفذ بصيرة، فقالوا: إنك تتبع الهوى، وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها، ثم قربوه إلى شاطئ النهر فذبحوه، وسال دمه في الماء، وبقروا بطن امرأته، وقتلوا ثلاث نسوة من طيئ، وقتلوا أم سنان الصيداوية، وأصابوا مسلمًا ونصرانيًّا، فقتلوا المسلم وأوصوا بالنصراني خيرًا، وقالوا: احفظوا ذمة نبيكم، وأرسل إليهم علي رسولًا ينظر فيما بلغه عنهم فقتلوه، فبعث إليهم أن ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم نقتلهم بهم، ثم أنا تارككم وكاف عنكم حتى ألقى أهل الشأم، فلعل الله يقلب قلوبكم ويردكم إلى خير ما أنتم عليه من أمركم، فبعثوا إليه، فقالوا كلنا قتلهم، وكلنا نستحل دماءهم ودماءكم.
٢ الطيش.
٣ جمع ثنى بالكسر: أي منعطفاته.
٤ جمع هضم "بالفتح ويكسر" وهو المطئن من الأرض.
٥ الغائط: المطمئن الواسع من الأرض.
٦ أوقعكم في الحبالة.
٧ دهن الرجل: إذا نافق.

<<  <  ج: ص:  >  >>