للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦١- خطبة أخرى له:

ثم إن سليمان بن صرد قام في الناس خطيبًا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

"أما بعد أيها الناس، فإن الله قد علم ما تنوون، وما خرجتم تطلبون، وإن للدنيا تجارًا، وللآخرة تجارًا؛ فأما تاجر الآخرة فساع إليها متنصب١ بِتَطْلَابها، لا يشتري بها ثمنًا، لا يُرى إلا قائمًا وقاعدَا، وراكعًا وساجدًا، لا يطلب ذهبا ولا فضة، ولا دينًا ولا لذة؛ وأما تاجر الدنيا فمكب عليها، راتع فيها، لا يبتغي بها بدلا، فعليكم "يرحمكم الله" في وجهكم هذا بطول الصلاة في جوف الليل، وبذكر الله كثيرًا على كل حال، وتقربوا إلى الله جلَّ ذِكْرُهُ بكل خيرٍ قدرتم عليه، حتى تلقوا هذا العدو، والمحِلِّ القاسط فتجاهدوه، فإنكم لن تتوسلوا إلى ربكم بشيء هو أعظم عنده ثوابًا من الجهاد والصلاة، فإن الجهاد سنام العمل، جعلنا الله وإياكم من العباد الصالحين المجاهدين الصابرين على اللأواء٢ وإنا مدلجون٣ الليلة من منزلنا هذا إن شاء الله فأدلجوا".

فأدلج عشية الجمعة لخمس مضين من ربيع الآخر سنة ٦٥ للهجرة، وما زال يسير حتى انتهى إلى عين الوردة٤ فنزل في غربيها.


١ أي قد نصب نفسه طالبا لها، نصب الشيء: رفعه فانتصب وتنصب.
٢ الشدة.
٣ أدلج: سار من أول الليل، فإن سار من آخره فادَّلج بالتشديد.
٤ هي رأس العين: بلد في وسط الجزيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>