للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥- الأدب الجاهلي:

ليس هناك من شك في أن أيام العرب في الجاهلية تعتبر مصدرًا خصبًا من مصادر التاريخ، وينبوعًا صافيًا من ينابيع الأدب ونوعًا طريفًا من أنواع القصص، بما اشتملت عليه من الوقائع والأحداث، وما روي في أثنائها من شعر ونثر وما اشتملت عليه من مأثور الحكم وبارع الحيل، ومصطفى القول، ورائع الكلام، فهي توضح شيئًا من الصلات التي كانت قائمة بين العرب وغيرهم من الأمم كالفرس والروم، وتروي كثيرًا مما كان يقع بين العرب أنفسهم من خلاف، بل إنها سبيل لفهم ما وقع بين العرب بعد الإسلام من حروب شجرت بين القبائل، ووقائع كانت بين البطون والأفخاذ والعشائر.

ثم هي في أسلوبها القصصي وبيانها الفني مرآة صادقة لأحوال العرب وعاداتهم وأسلوب حياتهم، وشأنهم في الحرب والسلم، والاجتماع والفرقة، والفداء والأسر، والنجعة والاستقرار، وهي أيضًا مرآة صافية تظهر فيها فضائلهم وشيمهم، كالدفاع عن الحريم والوفاء بالعهد، والانتصار للعشيرة وحماية الجار، والصبر في القتال والصدق عند اللقاء، وغير هذا مما نراه واضحًا في تلك الأيام١.

ولو نظرت إلى الشعر الجاهلي في جملته وتفصيله، وبخاصة ما كان في الفخر والحماسة، والرثاء والهجاء، فإنك تجده قد ارتبط بتلك الأيام، فبينما كان الفوارس يناضلون بسيوفهم ورماحهم، ويجودون بنفوسهم رخيصة في سبيل أقوامهم، كان الشعراء من ورائهم يدفعون عن الأحساب بقصيدهم، ويطلقون ألسنتهم في خصومهم وأعدائهم، ويندبون بقوافيهم صرعاهم، والقتلى من أشرافهم وزعمائهم.

ترى ذلك في شعر الأعشى وعنترة وابن حلزة وعامر بن الطفيل وقيس بن الأسلت وقيس بن الحطيم، وعبد يغوث ومهلهل بن ربيعة والخنساء وصخر ومعاوية ابني عمرو وحسان بن ثابت، وغيرهم ممن ظهر أثر الأيام في شعرهم من قريب أو بعيد٢.


١ محمد أحمد جاد المولى، علي محمد البجاوي، محمد أبو الفضل إبراهيم: أيام العرب في الجاهلية، القاهرة ١٩٤٢ ص ط-ي.
٢ نفس المرجع السابق.

<<  <   >  >>