للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شبه الجزيرة العربية في العصور القديمة، فقد كان يحد شبه الجزيرة طريقان أساسيان على حافة الصحراء، تنتقل عليها السلع من المحيط الهندي إلى موانئ فلسطين وسورية، فكان أحد هذين الطريقين التجاريين يمتد من اليمن إلى جنوب فلسطين، والثاني يمتد من الخليج العربي، ويدخل وادي الرافدين، ثم ينحرف إلى سورية قاصدا دمشق، فعلى هذين الطريقين قامت دويلات الحدود العربية١.

ولعل من أهم هذه الدويلات "دولة الأنباط" التي قامت على الأطراف الخارجية لمنطقة فلسطين، في حوالي القرن الخامس قبل الميلاد، متخذة من "البتراء" عاصمة لها، ومكونة حضارة عربية في لغتها، أرامية في كتابتها، سامية في ديانتها، يونانية رومانية في فنها وهندستها المعمارية، وهي لذلك حضارة مركبة، سطحية في مظهر الهليني، ولكنها عربية في أساسها٢.

هذا وقد اختلف المؤرخون في الموطن الأصلي للأنباط، فذهب فريق إلى أنهم من أهل العراق، وأن لغتهم التي تركوها على آثارهم، إنما هي أرامية متخلفة عن لغة ما بين النهرين، وأنهم قد هاجروا من العراق إلى "أدوم"، وذهب فريق آخر إلى أنهم عراقيون أتى بهم "نبوخذ نصر" في القرن السادس قبل الميلاد، عندما اكتسح فلسطين، فأنزلهم "البتراء"٣، ومجاوراتها، وذهب فريق ثالث إلى أنهم من جبل "شمر" في أواسط بلاد العرب، ثم سرعان ما نزحوا إلى العراق، وأقاموا هناك حتى دهمهم الآشوريون أو الميديون، فأخرجوهم من هناك، وأخيرًا ذهب فريق رابع إلى أنهم من شواطئ الخليج العربي٤، بينما ذهب فريق خامس إلى أنهم من قبائل بدوية، نزحت في القرن السادس قبل الميلاد "في حوالي عام ٥٨٧ق. م" إلى شرق الأرن، فنزلت أرض الآدوميين- أحفاد عيسو بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهما السلام٥- وانتزعت منهم "البتراء" ثم سرعان ما امتدت سلطتهم إلى المناطق المجاورة٦.


١ موسكاتي: المرجع السابق ص٢٠١.
٢ فيليب حتى: المرجع السابق ص٤٢٦.
٣ هناك "بتراء" أخرى في نجد تقع إلى الغرب من "بريدة" بحوالي ١٣٦ كيلا، ومن الرياض ٦٢٠ كيلا عن طريق بريدة، ٥٨٠ كيلا عن طريق عنيزة.
٤ جرجي زيدان: المرجع السابق ص٨١.
٥ انظر عن الأدوميين: كتابنا إسرائيل ص٣٤٢-٣٤٤، وكذا عدد ٢٤: ١٨، يشوع ١٥: ١، صموئيل أول ٨: ١٤، إسرائيل ولفنسون: تاريخ اللغات السامية ص١٠٤-١٠٥
وكذا M. Noth, Op. Cit., P.١٥٤-١٥٥. وكذا A. Lods, Op. Cit., P.٥٨
٦ P.K. Hitti, Op. Cit., P.٦٧

<<  <   >  >>