للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكتب ضيع الأحكام"١. بل إن أعلام حفاظ القرآن يميزون الحفظ بالتلقي، فهذا ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: "والله لقد أخذت من فيِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بضعًا وسبعين سورة"٢ ويبين عمن أخذ باقيه فيقول في رواية أخرى: "وأخذت بقية القرآن عن أصحابه"٣ ولإدراكه -رضي الله عنه- مكانة التلقي بالمشافهة كان إذا سئل عن سورة لم يكن تلقاها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صرح لهم بذلك، ودلهم على من تلقاها بالمشافهة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فعن معد يكرب قال: أتينا عبد الله فسألناه أن يقرأ "طسم" المائتين، فقال: ما هي معي, ولكن عليكم من أخذها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم خباب بن الأَرَتّ، قال: فأتينا خباب بن الأرت، فقرأها علينا٤.

وما قاله ابن مسعود وغيره من أعلام الحفاظ في وجوب التلقي للقرآن مشافهة لم يبتدعوه من عند أنفسهم, وإنما أخذوه من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه يتعلم القرآن من جبريل عليه السلام ويشافهه به مشافهة، ويعارضه القرآن في كل عام في شهر رمضان، وعارضه عام وفاته بالقرآن مرتين، والصلوات الخمس يجهر في ثلاث منها، وكذا في صلاة الجمعة، والاستسقاء، والخسوف، والكسوف، والتراويح، والعيدين، وفي هذا إشارة إلى تعلم الناس للتلاوة الصحيحة في الصلاة الجهرية ثم تطبيقها في الصلاة السرية.

وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يبعث القراء إلى من يدخل في الإسلام لتعليمهم التلاوة وكان بإمكانه -صلى الله عليه وسلم- أن يكتب لهم، واقتدى بسنته من بعده الخلفاء


١ تذكرة السامع والمتكلم: ابن جماعة، ص٨٧، وشرح المهذب: النووي ج١ ص٦٤.
٢ صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب القراء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ج٦ ص١٠٢. واللفظ له. ورواه مسلم بلفظ آخر كتاب فضائل الصحابة ج٤ ص١٩١٢.
٣ فتح الباري، ابن حجر: ج٩ ص٤٨.
٤ مسند الإمام أحمد ج٦ ص٣٤، بتحقيق أحمد شاكر، رقم ٣٩٨٠، وقال: إسناده صحيح.

<<  <   >  >>