للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"هي أوفى ما يجب الوقوف عليها، وأولى ما تصرف العناية إليها لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها، دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها"١. وقال أبو الفتح القشيري: "بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز"٢. وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "ومعرفة سبب النزول يعين على فهم الآية؛ فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب ولهذا كان أصح قولي الفقهاء، أنه إذا لم يعرف ما نواه الحالف رجع إلى سبب يمينه وما هيجها وأثارها"٣.

ومن الأمثلة على ذلك:

١- قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ٤.

فظاهر هذه الآية يدل على أن للإنسان أن يصلي إلى أية جهة شاء ولا يجب عليه استقبال القبلة لا في سفر ولا في حضر ولا في فرض ولا في نافلة وهذا مخالف لما هو معلوم من الأدلة الأخرى في الكتاب والسنة بوجوب التوجه إلى شطر المسجد الحرام. ويزول الإشكال إذا عرف سبب نزول هذه الآية كما رواه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: "بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرية كنت فيها فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة فقالت طائفة منا قد عرفنا؛ القبلة هي ههنا قِبل الشمال، فصلوا وخطوا خطوطا، وقال بعضنا: القبلة ههنا قِبل الجنوب فصلوا وخطوا خطوطا، فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة, فلما قفلنا من سفرنا سألنا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فسكت فأنزل الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ٥.


١ أسباب النزول: الواحدي، ص٤.
٢ البرهان للزركشي، ج١ ص٢٢.
٣ مقدمة في أصول التفسير: ابن تيمية ص٤٧.
٤ سورة البقرة: الآية ١١٥.
٥ أسباب النزول: الواحدي، ص٢٣.

<<  <   >  >>