للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[كيفية وحي الملك إلى الرسول]

[مدخل]

...

[كيفية وحي الملك إلى الرسول]

وهذا الوحي يقوم على اتصال بين جبريل عليه السلام وهو "مَلَك" وبين الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو "بشر"، وحين يكون حديث بين اثنين عربي وعجمي -مثلًا- فإن التفاهم بينهما يحتاج إلى أن يتعلم أحدهما لغة الآخر، والوحي اتصال بين "ملك" و"بشر"، فالأمر يحتاج إلى غلبة البشرية على الملك فيفهم البشر كلامه، أو غلبة الروحانية على البشر فيسهل على الملك تبليغه.

وقد أشار إلى هذا المعنى ابن حجر -رحمه الله تعالى- حيث قال: "إن العادة جرت بالمناسبة بين القائل والسامع، وهي هنا إما باتصاف السامع بوصف القائل بغلبة الروحانية وهو النوع الأول، وإما باتصاف القائل بوصف السامع وهو البشرية وهو النوع الثاني"١.

وقال الزركشي في البرهان والسيوطي في الإتقان: "وفي التنزيل طريقان: أحدهما: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- انخلع من صورة البشرية إلى صورة الملكية وأخذه من جبريل، والثاني: أن الملك انخلع إلى البشرية حتى يأخذه الرسول منه والأول أصعب الحالين"٢.

ووصف ابن خلدون الحالة الأولى بأنها انسلاخ من البشرية الجسمانية واتصال بالملكية الروحانية، والحالة الأخرى عكسها لأنها انتقال الملك من الروحانية المحضة إلى البشرية الجسمانية٣.

وبهذا يتبين أن وحي الملك جبريل عليه السلام إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يكون بإحدى حالتين:


١ فتح الباري: ابن حجر ص٢٨.
٢ البرهان في علوم القرآن: الزركشي ج١ ص٢٢٩. والإتقان: السيوطي ج١ ص٥٨.
٣ بتلخيص من مقدمة ابن خلدون ص٩٥، ٩٩.

<<  <   >  >>