للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبين الأستاذ حيدر قفة هذا الوجه من الإعجاز فقال: "إن القرآن نزل منجمًا مفرقًا في ثلاث وعشرين سنة تقريبًا، وهذه مدة طويلة يعجز أي أديب أو كاتب أو بليغ أن يحتفظ بأسلوبه وبيانه، وخصائصه البلاغية فلا بد أن نجد في أسلوبه اختلافًا ولو للأحسن والأرقى، مما يظهر الضعف والركاكة والإسفاف في بداية الأمر، والجزالة وحسن السبك في نهايته. فهل وجدوا ذلك في القرآن؟ حاشا لله وصدق الله العظيم: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} ١، ٢.

ويتحدث الشيخ الزرقاني عن الانفصال الزماني واختلاف أسباب النزول لآيات القرآن اللذين يستلزمان في مجرى العادة التفكك والانحلال، ولا يدعان مجالًا للارتباط والاتصال بين نجوم الكلام أما القرآن الكريم فقد خرق العادة في هذه الناحية أيضًا، فقد نزل منجمًا ولكنه تم مترابطًا محكمًا ثم قال: "أليس ذلك برهانًا ساطعًا على أنه كلام خالق القوى والقدر، ومالك الأسباب والمسببات، ومدبر الخلق والكائنات، وقيوم الأرض والسموات، العليم بما كان وما سيكون، الخبير بالزمان وما يحدث فيه من شئون.

ثم قال: "لاحظ فوق ما أسلفنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا نزلت عليه آية أو آيات قال: ضعوها في مكان كذا من سورة كذا، وهو بشر لا يدري "طبعًا" ما ستجيء به الأيام، ولا يعلم ما سيكون في مستقبل الزمان ولا يدرك ما سيحدث من الدواعي والأحداث فضلًا عما سينزل من الله فيها، وهكذا يمضي العمر الطويل والرسول على هذا العهد، يأتيه الوحي بالقرآن نجمًا بعد نجم، وإذا القرآن كله بعد هذا العمر الطويل يكمل ويتم، وينتظم ويتآخى، ويأتلف ويلتئم، ولا يؤخذ عليه أدنى تخاذل ولا تفاوت، بل


١ سورة النساء: الآية ٨٢.
٢ مع القرآن الكريم: حيدر قفة. ص٥٥.

<<  <   >  >>