للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرأي المختار ١:

قبل أن نذكر ما نراه صوابًا يجب أن نذكر حقيقة ينبغي إدراكها وهي التفريق بين التفسير العلمي، والإعجاز العلمي. فالأول هو مثار البحث والمناقشة وأما الثاني فقضية مسلمة لا نزاع فيها.

ذلكم أن المؤيدين للتفسير العلمي والمعارضين له أيضًا كلهم بلا استثناء يقرون ويعترفون أن القرآن الكريم لم ولن يصادم حقيقة علمية.

لم يقولوا هذا عن عاطفة مجردة، ولم يقله أتباع القرآن فحسب، وإنما قاله أولئك، وقاله خصومه أيضًا، بعد أن تناولوا آيات عديدة منه، وقلبوها دراسة وتأملًا، وتدبرًا، ونظروا فيما بين أيديهم من النظريات والحقائق العلمية حتى انتهوا إلى ما انتهوا إليه.

وقد يحسب أحد أن السلامة من مصادمة الحقائق العلمية أمر هين فما على المتكلم إلا أن يتجنب الخوض في مجالاتها، ويحذر من الوقوع في مبهمات العلوم، وغوامض المعارف، وأسرار الكون وخفايا العلم وبذا يظفر بهذه السمة.

والأمر حق لو كان القرآن سلك هذا المسلك لكنه وقد أنزل قبل أربعة عشر قرنًا من الزمن عرض لكثير من مظاهر هذا الكون كخلق السموات والأرض وخلق الإنسان، وسوق السحب وتراكمه، ونزول المطر، وجريان الشمس، وتحدث عن القمر والنجوم والشهب وأطوار الجنين. وعن النبات والبحار وغير ذلك كثير ومع ذلك كله لم يسقط العلم كلمة من كلماته، ولم يصادم جزئية من جزئياته٢، فإذا كان الأمر كذلك فإن هذا بحد ذاته يعتبر إعجازًا علميًّا للقرآن حتى ولو لم يتم الربط بين الآية والاكتشاف العلمي الحديث.


١ نقلته بتصرف من كتابي اتجاهات التفسير ج٢ ص٦٠٠، ٦٠٤.
٢ انظر كتابي "خصائص القرآن الكريم" ص٧٥، ٧٦.

<<  <   >  >>