للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بكلمة تقوم مقام آيات، ولو جعلت دلالة كل لفظ آية على حدتها لم يخف ما كان ذلك من التطويل. ومثال ذلك اختلاف القراءة في كلمة "وأرجلكم" من قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} ١ بالنصب "وأرجلَكم" والخفض "وأرجلِكم"، ففي قراءة النصب بيان لحكم غسل الرجل حيث يكون العطف على معمول فعل الغسل {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: الآية ٦] .

وفي قراءة الجر بيان لحكم المسح على الخفين عند وجود ما يقتضيه؛ حيث يكون العطف على معمول فعل المسح "وامسحوا برءوسكم وأرجلِكم" [المائدة: الآية ٦] .

فدلت الآية بهاتين القراءتين على حكمين متغايرين، ولو لم يكن كذلك لاحتاج كل حكم إلى آية خاصة لبيانه.

٣- الدلالة على حفظه وصيانته من التحريف والتغيير؛ إذ هو مع كثرة هذا الاختلاف وتنوعه. لم يتطرق إليه تضاد، ولا تناقض، ولا تخالف؛ بل كله يصدق بعضه بعضًا، ويبين بعضها بعضًا، ويشهد بعضه لبعض على خط واحد، وأسلوب واحد. وما ذاك إلا آية بالغة، وبرهان قاطع على صدق من جاء به صلى الله عليه وسلم إذ لا يمكن أن يكون هذا من كلام البشر.

٤- سهولة حفظه، وتيسير نقله على هذه الأمة؛ إذ هو على هذه الصفة من البلاغة والوجازة، فإن من يحفظ كلمة ذات أوجه أسهل عليه وأقرب إلى فهمه وأدعى لقبوله من حفظه جملًا من الكلام تؤدي معاني تلك القراءات المختلفات، لا سيما فيما كان خطه واحدًا، فإن ذلك أسهل حفظًا وأيسر لفظًا.

٥- بيان ما يحتمل أن يكون مجملًا في قراءة أخرى كقراءة "يَطْهُرْن" في قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} ٢ قرئ بالتشديد "يَطّهَّرن" والتخفيف "يطْهُرن" فقراءة التشديد مبينة لمعنى التخفيف عند الجمهور، فالحائض إذا انقطع دمها طهرت، وإذا اغتسلت تكون قد تطهرت. وإنما تحل


١ سورة المائدة: الآية ٦.
٢ سورة البقرة: الآية ٢٢٢.

<<  <   >  >>