للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

متعدية، و"فَعَلت" تكون متعدية وغير متعدية، وهي أخف وأسير في الكلام من "فَعُلت" فلما وجب رفض ذلك في الأكثر الشائع حمل الأقل -وهو "فَعُلْتُ"- عليه. هذا مع ما كان يلزمهم من اكتناف الواوين والضمة للكلمة، وهو الثقل الذي أومأ إليه سيبويه، أعني قولهم لو قالوا: "وَعَوْتَ تَوْعُو"، فلما وجب اطراح هذا التركيب في "فَعَلت" وتبعه "فَعُلت" حملوا أيضًا عليه "فَعِلْتُ" فلم يقولوا مثل "وَعِيت تَوْعَى" كما قالوا: "وَجِيت تَوْجَى"١ وأتبعوا "فَعِلْتُ" في الامتناع "فَعَلْتُ" و"فَعُلْتُ" فاعرف ذلك، فإنه لطيف حسن.

فأما الألف من "واو" فحملها أبو الحسن على أنها منقلبة من واو، واستدل على ذلك بتفخيم العرب إياها وأنه لم تسمع منهم الإمالة فيها، فقضى لذلك بأنها من الواو، وجعل أحرف الكلمة كلها واوات. ورأيت أبا علي ينكر هذا القول، ويذهب إلى أن الألف فيها منقلبة عن ياء، واعتمد في ذلك على أنه إذا جعلها من الواو كانت الفاء والعين واللام كلها لفظًا واحدًا، قال: وهذا غير موجود، فعدل عنه إلى القضاء بأنها من ياء.

ولست أرى بما أنكره أبو علي على أبي الحسن بأسًا، وذلك أن أبا علي إن كان كره ذلك لئلا تصير حروف الكلمة كلها واوات فإنه إذا قضى بأن الألف منقلبة من ياء لتختلف الحروف فقد حصل معه بعد ذلك لفظ لا نظير له.

ألا ترى أنه ليس في الكلام حرف فاؤه واو ولامه واو إلا قولنا "واو" فإذا كان قضاؤه بأن الألف من الياء لا يخرجه من أن يكون الحرف بكون فائه واوين فذا لا نظير له، فقضاؤه بأن العين واو أيضًا ليس بمنكر، ويعضد ذلك أيضًا شيئان:

أحدهما: ما قضى به سيبويه٢ من أن الألف إذا كانت في موضع العين فأن تكون منقلبة عن الواو أكثر من أن تكون منقلبة عن الياء.

والآخر: ماحكاه أبو الحسن من أنه لم تسمع عنهم فيها الإمالة. وهذا أيضًا يؤكد أنها من الواو.


١ وجيت: الوجا: الحفا، وإنه ليتوجى في مشيته وهو وجٍ، وقيل: الوجا قبل الحفا ثم الحفا ثم النقب، وقيل هو أشد من الحفا. لسان العرب "١٥/ ٣٧٨".
٢ الكتاب "٢/ ١٢٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>