للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: فلعله مبني على حركة، فتكون ألفه إذن منقلبة لانفتاح الياء قبلها، ويكون في بنائه على الحركة بمنزلة "أنا" و"هو" في أنهما مبنيان على الفتح.

فالجواب: أن "إياك" بأنت أشبه منه بأنا وهو، وذلك أن الكاف في آخره قد ثبتت الدلالة على كونها حرفا للخطاب، وقد شرحنا ذلك من حالها في حرف الكاف، فإذا كان الاسم إنما هو "إيا" والكاف إنما هي لاحقة لمعنى الخطاب، أشبه إياك أنت، ألا ترى أن التاء في آخر "أنت" ليست من الاسم، وإنما هي للخطاب، فكما أن النون قبل تاء "أنت" ساكنة، فكذلك ينبغي أن تكون الألف قبل كاف "إياك" في موضع سكون، وإذا كانت كذلك لزم أن تكون الألف غير منقلبة؛ لأنها ليست في موضع حركة، وجرت في ذلك مجرى ألف: ما، ولا، وحتى، وكلا في أنها غير منقلبة.

وحكى لي حاكٍ عن أبي إسحاق أُرَاه قال لي: سمعتُه يقول وقد سئل عن معنى قوله عَزَّ وَجَلَّ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: من الآية ٥] ١ ما تأويله؟ فقال: حقيقتُكَ نَعْبُدُ، قال: واشتقاقه من الآية، وهي العلامة.

وهذا القول من أبي إسحاق عندي غير مُرْضٍ، وذلك أن جميعَ الأسماء المضمرة مبني غير مشتق نحو: أنا، وأنت، وهو، وهي، وقد قامت الدلالة على كون "إيا" اسمًا مضمرًا، فيجب أن لا يكون مشتقًا، فإن ذهب إلى أن "إيا" اسم غير مضمر، وذلك قوله على ما بيناه في حرف الكاف، فقد أفسدناه هناك بما أغنى عن إعادته هنا.

فإن قلت: فما مثال "إيا" من الفعل؟ فإن المضمر لا ينبغي أن يمثل لأنه غير مشتق ولا متصرف، ولكنك إن تكلفت ذلك على تبيين حاله لو كان مما يصح تمثيله لاحتمل أن يكون من ألفاظ مختلفة، وعلى أمثلة مختلفة، فالألفاظ ثلاثة:

أحدها أن يكون لفظ أَوَيْتُ.

والآخر: من لفظ الآية.


١ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} الشاهد في الآية أن أبا إسحاق أولها بـ "حقيقتك نعبد" وهو ما لا يتفق مع رأي ابن جني.

<<  <  ج: ص:  >  >>