للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: ثبات الياء في تصغيرها في قولهم "شُيَيرة"، ولو كانت بدلا من الجيم لكانوا خُلقاء إذا حقروا الاسم أن يردوها إلى الجيم ليدلوا على الأصل.

والآخر: أن شين "شَجَرة" مفتوحة، وشين "شِيَرة" مكسورة، والبدل لا تغير فيه الحركات، إنما يوقع حرف موقع حرف، وعلى ذلك عامة البدل في كلامهم؛ ألا ترى أن من يقول "إيّل" فيأتي به على الأصل، إذا أبدل الياء جيما قال "إجَّل" فلم يعرض لشيء من الاسم سواها، ولم يزل شيئًا عما كان عليه من أحوال حركته. هذا هو الظاهر من حال "شِيَرة".

فإن قلت: فهل تجد لجعل الياء في "شِيَرة" بدلا من الجيم وجها؟

فإن الطريق إلى ذلك -وإن كان فيها بعض الصنعة- أن تقول: إنه أراد "شَجَرة" ثم أبدل الجيم ياء، كما أبدلت الياء جيما في نحو: "الإجَّل" و"عَلِجّ"١ و"فُقَيمجّ" و"مَرِّجَ"، فكان حكمه أن يدع الشين مفتوحة، فيقول "شَيَرة" إلا أن العرب إذا قلبت أو أبدلت فقد تغير في بعض الأحوال حركات تلك الكلمة، ألا ترى أن "الجاه" مقلوب من "الوجه"، فكان سبيله إذا قدمت الجيم وأخرت الواو أن يقال "جَوْهٌ" فتسكن الواو كما كانت الجيم في "وجْه" ساكنة، إلا أنها حركت لأن الكلمة لما لحقها القلب ضعفت، فغيروها بتحريك ما كان ساكنًا إذ صارت بالقلب قابلة للتغيير، فصار التقدير "جَوَهٌ" فلما تحركت الواو وقبلها فتحة قلبت ألفا، فقيل "جاه" فكما غيرت حال "الجاه" لما لحق الكلمة من القلب، كذلك غيرت فتحة شين "شَجَرة" إلى الكسر لما لحق الجيم من القلب، وزاد في الأنس بذلك أنه لو أقرت الفتحة في الشين، فقيل "شَيَرة" لانفتحت الشين قبل الياء، والياء متحركة، فتصير إلى قلب الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فكان يلزم أن يقال "شَارة" كما يقال "بَاعة" جمع "بائع" وأصلها "بيَعَة"، فهربوا لذلك مع ما قدمناه إلى أن كسروا الشين لتُقر الياء ولا تنقلب.

فإن قلت: فهلا تركوا فتحة الشين بحالها، فقلبوا الياء ألفا، فقالوا "شَارة" كما قالوا "جاه"؟


١ علج: العلج كل جاف شديد من الرجال "ج" علوج وأعلاج. اللسان "٢/ ٣٢٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>