للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تضعيف الحرف عليهم أسهل من تأليفه مع ما يجاوره، فلأجل ذلك أنه لما أراد بنو تميم إسكان العين من "معهم" استكرهوا أن يقولوا "معهم" فأبدلوا الحرفين حاءين، وأدغموا الأولى في الآخرة، فقالوا "محم" فكان ذلك أسهل عليهم من اللفظ بالحرفين المقتربين.

فقد تحصل لنا من هذه القضايا أن الحروف في التأليف على ثلاثة أضرب:

أحدها: تأليف المتباعدة، وهو الأحسن.

والآخر: تضعيف الحرف نفسه، وهو يلي القسم الأول في الحسن.

والآخر: تأليف المتجاورة، وهو دون الاثنين الأولين، فإما رفض البتة، وإما قل استعماله.

فإن قلت: ألست تعلم أن الإمالة إنما وقعت في الكلام ليتقارب الصوتان، وذلك أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة لتميل الألف نحو الياء، نحو "مالك" و"حاتم" وكذلك الحرفان إذا ضورع بأحدهما صاحبه نحو "مزدر" و"تزدير" أو أدني منه، تقلبه إلى حرف آخر صريح، نحو "صبقت" في "سبقت" و"صقت" في "سقت" و"صويق" في "سويق". فإذا كانوا من إيثار المضارعة والتقريب على ما تراه فمن أين ساغ لك أن تقضي عليهم بكلفة التقارب في المخارج نحو الذال مع الثاء، والسين مع الصاد؟

فالجواب: أن الحس أعدل شاهد، وذلك أنك إذا قلت: "دث" أو "سص" أو "كق" أو "حع" رأيت الكلفة ظاهرة والمؤونة مجحفة، فأما تقريب الحرف من الحرف فليس ذلك التقريب بينهما بمصير للمقرب إلى حرف يجاور المقرب منه، وإنما هي مضارعة وإيجاد حروف فروع غير أصول، وهي التي ذكرناها في أول هذا الكتاب.

ألا ترى أن ألف الإمالة والصاد التي كالزاي إنما هما من الفروع الستة، وليستا بأصلين مستقرين كالثاء ولا السين ولا الجيم اللواتي إذا ضممتهن إلى مجاروهن فقد استعملت هناك أصولا مستقرة، ولم ترتجل فروعا يمكن التسلط عليها وقلة الحفل بها وأما من أخلصها زايا فقال "مزدر" فإنما جاز ذلك له لأن الزاي ليست من مخرج الدال، فلما بعدا حسن الجمع بينهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>