للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥٤- فصل: الصبر على القضاء وما يعين عليه

٢٨٤- ليس في التكليف أصعب من الصبر على القضاء، ولا فيه أفضل من الرضا به. فأما الصبر، فهو فرض، وأما الرضا، فهو فضل.

٢٨٥- وإنما صعب الصبر؛ لأن القدر يجري في الأغلب بمكروه النفس، وليس مكروه النفس يقف على المرض والأذى في البدن، بل هو يتنوع، حتى يتحير العقل في حكمة جريان القدر.

٢٨٦- فمن ذلك أنك إذا رأيت مغمورًا بالدنيا، قد سالت له أوديتها١، حتى لا يدري ما يصنع بالمال، فهو يصوغه أواني يستعملها، ومعلوم أن البلور والعقيق والشبه قد يكون أحسن منها صورة، غير أن قلة مبالاته بالشريعة جعلت عنده وجود النهي كعدمه! ويلبس الحرير، ويظلم الناس، والدنيا منصبة عليه، ثم ترى خلقًا من أهل الدين وطلاب العلم، مغمورين بالفقر والبلاء، مقهورين تحت ولاية ذلك الظالم: فحينئذ يجد الشيطان طريقًا للوسواس، ويبتدئ بالقدح في حكمة القدر، فيحتاج المؤمن إلى الصبر على ما يلقى من ضر في الدنيا، وعلى جدال إبليس في ذلك.

٢٨٧- وكذلك في تسليط الكفار على المسلمين والفساق على أهل الدين. وأبلغ من هذا إيلام الحيوان، وتعذيب الأطفال؛ ففي مثل هذه المواطن يتمحض الإيمان.

٢٨٨- ومما يقوي الصبر على الحالتين: النقل، والعقل: أما النقل، فالقرآن والسنة.

٢٨٩- أما القرآن، فمنقسم إلى قسمين:

أحدهما: بيان سبب إعطاء الكافر والعاصي، فمن ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} [ال عمران: ١٧٨] ، {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ


١ أي: فتحت له أبواب الرزق.

<<  <   >  >>