للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ما عرف الله ولا من خاف منه]

...

٨٦- فصل: ما عرف الله إلا من خاف منه

٤٣٣- أعجب العجب دعوى المعرفة مع البعد عن العرفان بالله! ما عرفه إلا من١ خاف منه، فأما المطمئن، فليس من أهل المعرفة.

٤٣٤- وفي المتزهدين أهل تغفيل، يكاد أحدهم يوقن٢ أنه ولي محبوب ومقبول! وربما توالت عليه ألطاف ظنها كرامات، ونسي الاستدراج٣، الذي لفت مساكنته الألطاف! وربما احتقر غيره، وظن أن محلته٤ محفوظة به! تغره ركيعات يتنصب فيها، أو عبادة ينصب٥ بها! وربما ظن أنه قطب الأرض! وأنها لا ينال مقامه بعده أحد!!

٤٣٥- وكأنه ما علم أنه بينا٦ موسى عليه السلام مكالم، نبئ يوشع! وبينا زكريا عليه السلام مجاب الدعوة، نشر بالمنشار! وبينا يحيى عليه السلام يوصف بأنه سيد، سلط عليه كافر احتز رأسه! وبينا بلعام٧ معه الاسم الأعظم، صار مثله كمثل الكلب! وبينا الشريعة يعمل بها، نسخت، وبطل حكمها! وبينا البدن معمور، خرب، وسلط البلى٨ عليه! وبينا العالم يدأب حتى ينال مرتبة يعتقدها، نشأ طفل في زمانه، ترقى إلى سبر عيوبه وغلطه، وكم من متكلم يقول: ما مثلي! لو عاش فسمع ما حدث بعده من الفصاحة، عد نفسه أخرس! هذا وعظ ابن السماك٩ وابن عمار١٠ وابن


١ في الأصل: ما.
٢ في الأصل: يوطن على.
٣ الاستدراج: أن يفتح الله عليهم من النعم ما يغتبطهم به ويركنون إليه، ثم يأخذهم على غرتهم أغفل ما يكونون. كما قال المؤلف في زاد المسير ص "٥٣" ط ابن حزم.
٤ محلته: موطن سكناه.
٥ ينصب: يتعب.
٦ بينا: بينما.
٧ بلعام بن باعوراء: أحد علماء بني إسرائيل، أضله الله بعد علم، فكان عبرة لغيره، نظر: قصته في فتح القدير تفسير الآيات "١٧٥- ١٧٨" من سورة الأعراف.
٨ في الأصل: البلاء.
٩ محمد بن صبيح العجلي، سيد الوعاظ في عصره، زاهد عابد، توفي سنة "١٨٣هـ".
١٠ منصور بن عمار بن كثير السلمي الخراساني، الواعظ البليغ، كان عديم النظير في الموعظة والتذكير وفاته في حدود المائتين.

<<  <   >  >>