للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٠٢- فصل: لو صحَّت النفوس لذابت من خوف الله أو لغابت في محبته

٤٩٦- عرض لي في طريق الحج خوف من العرب٢، فسرنا على طريق خيبر٣، فرأيت من الجبال الهائلة، والطرق العجيبة ما أذهلني، وزادت عظمة الخالق عز وجل في صدري، فصار يعرض لي عند ذكر تلك الطرق نوع تعظيم لا أجده عند ذكر غيرها. فصحت بالنفس: ويحك! اعبري إلى البحر، وانظري إليه، وإلى عجائبه بعين الفكر، تشاهدي أهوالًا هي أعظم من هذه. ثم اخرجي إلى الكون، والتفتي إليه، فإنك ترينه بالإضافة إلى السماوات والأفلاك كذرة في فلاة، ثم جولي في الأفلاك، وطوفي حول العرش، وتلمحي ما في الجنان والنيران. ثم اخرجي عن الكل، والتفتي إليه، فإنك تشاهدين العالم٤ في قبضة القادر الذي لا تقف قدرته عند حد.

ثم التفتي إليك، فتلمحي بدايتك ونهايتك، وتفكري فيما قبل البداية، وليس إلا العدم، وفيما بعد البلى، وليس إلا التراب.

فكيف يأنس بهذا الوجود من نظر بعين فكره المبدأ والمنتهى؟! وكيف يغفل أرباب٥ القلوب عن ذكر هذا الإله العظيم؟! وبالله، لو صحت النفوس من سكر هواها، لذابت من خوفه، أو لغابت في حبه؛ غير أن الحس غلب، فعظمت قدرة الخالق عند رؤية جبل، وإن الفطنة لو تلمحت المعاني، لدلت القدرة عليه أوفى من


١ زرجنتهم: خديعتهم.
٢ كان ذلك في حجته الثانية سنة "٥٥٣هـ"، أما الأولى فكانت سنة "٥٤١هـ"، والمقصود بالعرب الأعراب، الذين كانوا يقطعون الطريق على القوافل.
٣ خيبر: ناحية شمال المدية على طريق الشام. ومعنى خيبر بالعبرانية: الحصن.
٤ في الأصل: تشاهدينه.
٥ في الأصل: فعل.

<<  <   >  >>