للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١١٥- فصل: إن للخلوة تأثيرات تبيَّن في الجلوة

٥٥٣- إن للخلوة تأثيراتٍ تبين في الجلوة، كم من مؤمن بالله عز وجل، يحترمه عند الخلوات، يفترك ما يشتهي حذرًا من عقابه، أو رجاء لثوابه، أو إجلالًا له، فيكون بذلك الفعل كأنه طرح عودًا هنديًّا على مجمرٍ، فيفوح طيبه، فيستنشقه الخلائق، ولا يدرون أين هو؟

٥٥٤- وعلى قدر المجاهدة في ترك ما [يهوى] تقوى محبته، أو على مقدار زيادة دفع ذلك المحبوب المتروك يزيد الطيب، ويتفاوت تفاوت العود، فترى عيون الخلق تعظم هذا الشخص، وألسنتهم تمدحه، ولا يعرفون لهم؟ ولا يقدورن على وصفه: لبعدهم عن حقيقة معرفته.

٥٥٥- وقد تمتد هذه الأراييح ١ بعد الموت على قدرها؛ فمنهم من يذكر بالخير مدة مديدة ثم ينسى، ومنهم من يذكر مئة سنة، ثم يخفى ذكره وقبره، ومنهم أعلام يبقى ذكرهم أبدًا.

٥٥٦- وعلى عكس هذا من هاب الخلق، ولم يحترم خلوته بالحق، فإنه على قدر مبارزته بالذنوب، وعلى مقادير تلك الذنوب، يفوح منه ريح الكراهة، فتمتقته القلوب: فإن قل مقدار ما جنى، قل ذكر الألسن له بالخير، وبقي مجرد تعظيمه. وإن كثر، كان قصارى الأمر سكوت الناس عنه، لا يمدحونه ولا يذمونه.

٥٥٧- ورب خال بذنب كان سبب وقوعه في هوة شقوة في عيش الدنيا


١ الأراييح: جمع رائحة، والمقصود: الذكر الحسن.

<<  <   >  >>