للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٢٠- فصل: لذتا الحس والعقل

٥٦٧- اللذات كلها بين حسي وعقلي؛ فنهاية اللذات الحسية وأعلاها النكاح، وغاية اللذات العقلية العلم، فمن حصلت له الغايتان في الدنيا، فقد نال النهاية، وأنا أرشد الطالب إلى أعلى المطلوبين.

٥٦٨- غير أن للطالب المرزوق علامةً، وهو أن يكون مرزوقًا علو الهمة، وهذه الهمة تولد مع الطفل، فتراه من زمن طفولته يطلب معالي الأمور، كما يروى في الحديث: "أنه كان لعبد المطلب مفرش في الحجر١، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي وهو طفل، فيجلس عليه، فيقول عبد المطلب: إن لابني هذا شأنًا٢".

٥٦٩- فإن قال قائل: فإذا كانت لي همة، ولم أرزق ما أطلب، فما الحيلة؟

فالجواب: أنه إذا امتنع الرزق من نوع، لم يمتنع من نوع آخر، ثم من البعيد أن يرزقك همة، ولا يعينك! فانظر في حالك: فلعله أعطاك شيئًا ما شكرته، أو ابتلاك بشيء من الهوى ما صبرت عنه.

٥٧٠- واعلم أنه ربما زوى٣ عنك من لذات الدنيا كثيرًا ليؤثرك بلذات العلم، فإنك ضعيف، ربما لا تقوى على الجمع، فهو أعلم بما يصلحك.

٥٧١- "وأما ما أردت شرحه لك: فإن الشاب المبتدئ في طلب العلم ينبغي له أن يأخذ من كل علم طرفًا، ويجعل علم الفقه الأهم، ولا يقصر في معرفة النقل، فيه تبين سير الكاملين، وإذا رزق فصاحة من حيث الوضع، ثم أضيف إليها معرفة اللغة والنحو، فقد شحذت شفرة لسانه على أجواد مسن. ومتى أدى العلم لمعرفة الحق وخدمة الله عز وجل، فتحت له أبواب لا تفتح لغيره".

٥٧٢- وينبغي له بالتلطف أن يجعل جزءًا من زمانه مصروفًا إلى توفير الاكتساب والتجارة، مستنيبًا فيها، غير مباشر لها، مع التدبير في العيش الممتنع من


١ حجر الكعبة، هو المدار بالبيت من جهة الميزاب ويسمى الحطيم.
٢ رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق "٣/ ٨٠".
٣ زوى: صرف.

<<  <   >  >>