للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٧٩- فصل: ما أقل من يعمل لله خالصًا!

٨٢٥- ما أقل من يعمل لله تعالى خالصًا! لأن أكثر الناس يحبون ظهور عباداتهم، وسفيان الثوري كان يقول: لا أعتد بما ظهر من عملي! وكانوا يسترون أنفسهم، واليوم ثياب القوم تشهرهم! وقد كان أيوب السختياني١ يطول قميصه حتى يقع على قدميه، ويقول: كانت الشهرة في التطويل، واليوم الشهرة في التقصير.

٨٢٦- فاعلم أن ترك النظر إلى الخلق، ومحو الجاه من قلوبهم بالتعمل٢، وإخلاص القصد، وستر الحال: وهو الذي رفع من رفع، فقد كان أحمد بن حنبل يمشي حافيًا في وقت، ويحمل نعليه في يديه، ويخرج للقاط٣، وبشر يمشي حافيًا على الدوام وحده، ومعروف يلتقط النوى٤.

٨٢٧- واليوم صارت الرئاسات أكثر من كل حاجة، وما تتمكن الرئاسات حتى تتمكن من القلب الغفلة، ورؤية الخلق، ونسيان الحق، فحينئذ تطلب الرئاسة على أهل الدنيا.

٨٢٨- ولقد رأيت من الناس عجبًا، حتى من يتزيا بالعلم: إن رآني أمشي وحدي، أنكر علي، وإن رآني أزور فقيرًا، عظم ذلك، وإن رآني أنبسط بتبسم، نقصت من عينه، فقلت: فوا عجبًا! هذه كانت طريق الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، فصارت أحوال الخلق نواميس لإقامة الجاه. لا جرم٥ والله سقطتم من عين الحق، فأسقطكم من عين الخلق.

٨٢٩- فكم ممن يتعب في تربية ناموس، ولا يلتفت إليه، ولا يحظى بمراده، ويفوته المراد الأكبر.

فالتفتوا إخواني إلى إصلاح النيات، وترك التزين للخلق! ولتكن عمدتكم الاستقامة مع الحق، فبذلك صعد السف وسعدوا. وإياكم وما الناس عليه اليوم؛ فإنه بالإضافة إلى يقظة السلف نوم.


١ هو، الإمام الحافظ سيد العلماء، أحد صغار التابعين "٦٨-١٣١هـ".
٢ التعمل: بالمعاملة، والتخلية والتحلية.
٣ اللقاط: جمع ما يتبقى من السنابل المنثورة بعد الحصاد في الحقل.
٤ النوى: بزور التمر.
٥ لا جرم: لا بد، حقًّا.

<<  <   >  >>