للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢٢٣- فصل: التجلد عن المصائب

١٠٢١- قد ركب في الطباع حب التفضيل على الجنس، فما أحد إلا وهو يحب أن يكون أعلى درجة من غيره. فإذا وقعت نكبة أوجبت نزوله عن مرتبة سواه، فينبغي له أن يتجلد بستر تلك النكبة، لئلا يرى بعين نقص، وليتجمل المتعفف حتى لا يرى بعين الرحمة، وليتحامل المريض لئلا يشمت به ذو العافية.

١٠٢٢- وقد قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين قدومه مكة، وقد أخذتهم الحمى، فخاف أن يشمت بهم الأعداء حين ضعفهم عن السعي، فقال: "رحم الله من أظهر من نفسه الجلد"١، فرملوا -والرَّمَلُ: شدة السعي- وزال ذلك السبب، وبقي الحكم، ليتذكر السبب، فيفهم معناه.

١٠٢٣- واستأذنوا على معاوية، وهو في الموت، فقال لأهله: أجلسوني! فقعد متمكنًا يظهر العافية، فلما خرج العواد، أنشد٢:

وتجلدي للشامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع

وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع


١ رواه البخاري "٤٢٥٦"، ومسلم "١٢٦٦" عن ابن عباس رضي الله عنهما.
٢ متمثلًا بهذين البيتين وهما لأبي ذؤيب الهذلي، ديوانه: "٤" وهي مفضلية. و"ريب الدهر" مصائبة، و"أتضعضع" أضعف، و"ألفيت" وجدت. و"التميمة" عودة يحملها الإنسان يزعم أنها ترد الأذى عنه، وقد حرمها الإسلام.

<<  <   >  >>