للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢٨٤- فصل: من لم يحترز بعقله هلك بعقله

١٢٦٨- سألني سائل: قد قال بعض الحكماء: "من لم يحترز بعقله، هلك بعقله" فما معنى هذا؟ فبقيت مدة لا ينكشف لي المعنى، ثم اتضح؛ وذلك أنه إذا طلبت معرفة ذات الخالق سبحانه من العقل، فزع إلى الحس، فوقع التشبيه، فالاحتراز من العقل بالعقل هو: أن ينظر، فيعلم أنه لا يجوز أن يكون جسمًا ولا شبهًا لشيءٍ.

١٢٦٩- وإذا نظر العاقل إلى أفعال الباري سبحانه؛ رأى أشياء لا يقتضيها العقل، مثل الآلام، والذبح للحيوان، وتسليط الأعداء على الأولياء، مع القدرة على المنع، والابتلاء بالمجاعة للصالحين، والمعاقبة على الذنب بعد البعد بزلة، وأشياء كثيرة من هذا الجنس، يعرضها العقل على العادات في تدبيره، فيرى أنه لا حكمة تظهر له فيها.

فالاحتراز من العقل به أن يقال له: أليس قد ثبت عندي أنه مالك، أنه حكيم، وأنه لا يفعل شيئًا عبثًا؟ فيقول: بلى. فيقال: فنحن نحترز من تدبيرك الثاني بما ثبت عندك في الأول؛ فلم يبق إلا أنه خفي عليك وجه الحكمة في فعله، فيجب التسليم له، لعلمنا أنه حكيم، حينئذ يذعن ويقول: قد سلمت.

١٢٧٠- وكثير من الخلق نظروا لمقتضى واقع العقل الأول، فاعترضوا! حتى إن العامي يقول: كيف قضى علي بسوء١ عاقبتي؟! ولم ضيق رزقي؟! وما وجه


١ في الأصل: سوء.

<<  <   >  >>