للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣٠٧- فصل: الحقّ منزّهٌ عن العبث

١٣٤٨- تأملت على قوم يدعون العقول، ويعترضون على حكمة الخالق! فينبغي أن يقال لهم: هذا الفهم الذي دلكم على رد حكمته، أليس هو من منحه؟!

فأعطاكم الكمال، ورضي لنفسه بالنقص؟! هذا هو الكفر المحض، الذي يزيد في القبح على الجحد.

١٣٤٩- فأول القوم إبليس؛ فإنه رأى بعقله أن جوهر النار أشرف من جوهر الطين، فرد حكمة الخالق، ومر على هذا خلق كثير من المعترضين، مثل ابن الراوندي، والبصري١ وهذا المعري اللعين، يقول: كيف يعاب ابن الحجاج٢ بالسخف، والدهر أقبح فعلًا منه؟! أترى يعني به الزمان؟! كلا، فإن ممر الأوقات لا يفعل شيئًا؛ وإنما هو تسفيف٣! وكان يتسعجل الموت، ظنًّا منه أنه يستريح! وكان يوصي بترك النكاح، والنسك! ولا يرى في الإيجاد حكمة إلا العناء والتعب! ومصير الأبدان إلى البلى!!

وهذا لو كان كما ظن، كان الإيجاد عبثًا، والحق منزه عن العبث، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} [ص: ٢٧] ، فإذا كان ما خلق لنا لم يخلق عبثًا، أفنكون نحن -ونحن مواطن معرفته ومحال تكليفه- قد وجدنا عبثًا؟!


١ العلوي البصري صاحب الزنج، ذكر بعض الناس أنه كان قبل خروجه يذكر أنه من عبد قيس، ثم من أنمار وكان اسمه أحمد، فلما خرج سنة "٢٥٥هـ" تسمى عليًّا، وانتسب إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، قتل سنة "٢٧٠هـ".
٢ الحسين بن أحمد بن الحجاج البغدادي، شاعر سفيه أمير الفحش، له باع من الغزل، أما الزطاطة والتفحش فهو حامل لوائها، توفي سنة "٣٩١هـ". ولعل الصواب الحجاج بن يوسف؛ لأن فساده أكبر.
٣ تهافت وفساد.

<<  <   >  >>