للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكلام على قول النبهاني: إن الذي يتصدّى لطلب تفسير مشتمل على العلوم العصرية ملحد]

قد سبق منا بيان مقصد هذا المتصدي، وذكرنا أنه ليس من المذنبين بهذا الأمل والمقصد، ولم يكن مقصده إلا توفير سواد المسلمين، وحسن دعوة أعداء الدين، وتفهيم العوام أجل مقاصد الإسلام، فكيف يكون مثل هذا هو من الملحدين، والسالكين غير سبيل المؤمنين، والنبهاني لا يحكم بالابتداع والإلحاد على من يفسر التراث برأيه، ويقول: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} الذي هو الفعل الجميل الموجب لصفاء القلب وذكاء النفس، ولا تفعلون ما ترتقون به من مقام تجلي الأفعال إلى تجلي الصفات (وأنتم تتلون) كتاب فطرتكم الذي يأمركم بالدين السالك بكم سبيل التوحيد (أفلا تعقلون) فتقيدون مطلقات صفاتكم الذميمة بعقال ما أفيض عليكم من الأنوار القديمة، واطلبوا المدد والعون ممن له القدرة الحقيقية (بالصبر) على ما يفعل بكم لكي تصلوا إلى مقام الرضا (والصلاة) التي هي المراقبة وحضور القلب لتلقّي تَجَلِّيَاتِ الرَّبّ، وإن المراقبة لشاقة إلا على المنكسرة قلوبهم اللينة أفئدتهم لقبول أنوار التجليات اللطيفة، واستيلاء سطواتها القهرية، فهم الذين يتيقنون أنهم بحضرة ربهم وأنهم إليه راجعون بفناء صفاتهم ومحوها في صفاته، فلا يجذون في الدار إلا شؤون الملك اللطيف القهار" انتهى.

وهذا تفسير قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ * وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} ١. فانظر أيها المنصف العارف باللغة ومدلولاتها،


١ سورة البقرة: ٤٤- ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>