للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر فتوح قلعة ماردين]

قال: حدثني سوار بن كثير عن يوسف بن عبد الرزاق عن الكامل عن المثني بن عامر عن جده قال لما فتحت مدائن الخابور صلحا بلغ قتل الملك شهرياض صاحب أرض ربيعة وعين وردة وراس العين فعظم عليه وكبر لديه فجمع أرباب دولته وهو نازل على أرض الطير وقال لهم: هذه ثلاث مدائن من بلادنا قد ملكت وقلعتان والعرب المتنصرة قد مضت عنا فقال له البطريق توتا: ايها الملك انه لا بد للعرب منا ولا بد لنا منهم ويعطي الله النصر لمن يشاء غير انه كان من الرأي إنك لو زوجت ابنك عمودا الملكة مارية بنت أرسوس بن جارس صاحب ماردين ومرين لأعانتنا قلعة المرأة.

قال الراوي: وكان السبب في بناء القلعتين المذكورتين أن هذا الرجل ارسوس بن جارس كان من أهل طبرزند وكان بطلا مناعا وكان أول من بنى المملكة بأرمينية وكان منفردا بطبرزند وكان يغير في بلاد الروم حيث شاء حتى كتب أهل تلك البلاد إلى الملك الأعظم يستغيثون به من يده فارسله الملك هرقل من انطاكية إلى ديار ربيعة وقال له: ابن لك حصنا تسكن فيه فلما توسط أرض جبل ماردين نزل تحته ونظر وإذا على قلة الجبل موضع نار وكان فيه عابد من عباد الفرس وكان مشهورا عندهم بالعبادة وكانت الهدايا تقبل إليه من أقصى بلاد خراسان والعراق وكان اسمه دين فلم يمر به أرسوس حتى صادقه وكان يحمل إليه الهدايا والتحف وكان العابد لا يحتجب عنه ولم يزل معه حتى انه وقع به منفردا فقتله وغيبه فلما عدمه أهل تلك الأرض قالوا: مات دين ثم أن أرسوس بني بيت النار وجعله حصنا وكانت له ابنة يقال لها مارية فلما رأت اباها بني له مكانا وتحصن فيه بنت أيضا قلعة بازائه وحصنتها وجعلت فيها أموالها وذخائرها ورجالها وكانت كلما خطبها أحد تراه دونها لأنها من بيت المملكة.

وكان بالقرب من قلعتها دير بسفح الجبل وفي الدير راهب قد انقطع فيه وكان من أجمل الناس وجها وكان اسمه فرما قال فأتت إليه زائرة فلما رأته وقعت محبته في قلبها فلم تزل تتردد إليه وتتجاسر عليه إلى أن صارت بينهما صحبة فسلمت نفسها إليه فحملت منه فلما تكامل حملها ولدت في خفية ولدا ذكرا فسلمته إلى دايتها وقالت لها انظري كيف تفعلين بهذا الغلام فإني أحبه ولا اريد قتله لأنه أن علم أبي بقصتي قتلني ثم أخرجت له ذخائر نفيسة وجعلتها في قماطه وخيطت عليها وقالت من وقع به ينفقها على تربيته ثم إنها افتقدت بدنه وإذا على خده الأيمن شامة سوداء بقدر الظفر ورأت أذنه اليمنى وفيها زيادة قال فأخذته الداية ونزلت به ليلا ومعها خادم وكان مطلعا على أسرار الملكة فأتت به إلى أسفل القلعة في الطريق الاعظم وهناك عمود من رخام وغالبه غائص في الأرض وهو قائم على رأس ذلك العمود قاعدة من الرخام فوضعت ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>