للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على القول والإجادة فيه إرهاف الجميع أسماعهم إليه من صغيرهم إلى كبيرهم، رجالًا كانوا أم نساء.

ولا شك أن مما ساعد على كثرة النصوص الأدبية، والحرص على جودتها، ما كان من تنافس طبيعي بين أصحاب المواهب الأدبية في القبائل المختلفة التي كان يسود بينها النظام القبلي، وكل منها تعمل على أن تحتل الذروة العليا في جميع الميادين، وفي مقدمتها ميدان الفصاحة والبيان الذي يجعل ذكرها على كل لسان، في كل زمان ومكان.

كل هذا يجعلنا نعتقد أن نتاج الجاهليين الأدبي كان وفيرًا غزيرًا، ولكن للأسف لم يحفظ لنا من هذا التراث إلا شيء قليل جدًّا، يدل على ذلك قول أبي عمرو بن العلاء: "ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله، ولو جاءكم وافرًا لجاءكم علم وشعر كثير"١. ويستدل ابن سلام على ذهاب هذا العلم وسقوطه، بقلة ما بأيدي الرواة المصححين لطرفة وعبيد والذي صح لهما قصائد بقدر عشر، وإن لم يكن لهما غيرهن فليس موضعهما حيث وصفا من الشهرة والتقدمة، ويقول: "إن كان ما يروى من الغثاء لهما فليسا يستحقان مكانهما على أفواه الرواة، ونرى أن غيرهما قد سقط من كلامه كلام كثير غير أن الذي نالهما من ذلك أكثر، وكانا أقدم الفحول، فلعل ذلك لذلك. فلما قل كلامهما حمل عليهما حمل كثير"٢.

كما أننا كثيرًا ما نجد في كتب الأدب والتاريخ شعراء يذكرون في بعض الأخبار والحوادث، ولهم بيت أو أبيات معدودة، ومن المستبعد أن يكون ذلك كل ما قالوه في حياتهم، حقيقة قد يكون هؤلاء أو بعضهم غير مشهورين، ولكن من المحتمل أن يكونوا قد قالوا أكثر من ذلك، ولكنه ضاع أو أهمله الرواة.

والحق أن كثيرًا من نتاج الجاهليين الأدبي قد ضاع، ولعل من أهم الأسباب في ذلك بعد الزمن بين وقت إنشائه ووقت تدوينه وحدوث أحداث جسام في هذه الفترة جعلت رواته وحفظته يتشاغلون عنه أو يقلون. ويؤيد ذلك ما رواه ابن عوف عن ابن سيرين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: "كان الشعر علم قول لم يكن لهم علم أصح منه، فجاء


١ المزهر جـ٢ ص٢٣٧.
٢ طبقات الشعراء لابن سلام، ص١٠.

<<  <   >  >>