للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[لغة الأدب الجاهلي]

[مدخل]

...

[لغة الأدب الجاهلي]

جاء الأدب الجاهلي كله بلغة عربية واحدة، وصاغه بهذه اللغة الواحدة جميع الذين نسب إليهم أنهم قالوه من العرب شماليهم وجنوبيهم لا فرق بين من أصله قحطاني ومن أصله عدناني. وهنا نحب أن نشير إلى ملاحظة هامة جدًّا، ينبغي ألا تغيب عن البال، هي أن الأدباء الجنوبيين الذين جاءت لهم نصوص أدبية في تراث الجاهليين كانوا قد استقروا في الشمال، أو قريبًا منه في أطراف اليمن المتاخمة للعدنانيين ولم يكن منهم من يسكن في أقاصي اليمن أو أطرافها البعيدة عن الشماليين، وإن ظلت نسبة من استقر منهم بالشمال إلى اليمن، فإنما هي نسبة قبيلة الشاعر منهم إلى أصلها الأول، وهذا بالطبع لا يؤثر على اللغة الأدبية السائدة التي أصبحت لغة الشعر والأدب قبل ذلك بزمن؛ فهذا مثل ما يقال عن أبي الحسن علي بن العباس بأنه الرومي، وعن مهيار بن مرزويه بأنه الديلمي، فكلاهما من أصل غير عربي، وكل منهما شاعر عربي فصيح.

وهذا معناه أن الأدب قبل الإسلام بفترة من الزمن قد أصبحت له لغة خاصة، يستعملها الأدباء في إنشائهم، بصرف النظر عما قد يكون للأديب من لهجة خاصة يستعملها هو وقبيلته في تفاهمهم اليومي العادي؛ والدليل على سيادة هذه اللغة الأدبية قبل ظهور الإسلام بين العرب، نزول القرآن الكريم بها، وكان القرآن الكريم خطابًا عامًّا لجميع العرب على الخصوص، ففهموه وناقشوه، وجادلوه، وحاول بعضهم تقليده، ولكن الفشل حالفهم في هذه المحاولات. ففهم العرب للقرآن الكريم، ومجادلاتهم للنبي صلى الله عليه وسلم دليل على شيوع لغته بينهم قبل نزوله بزمن. ولكن هذه النقطة بالذات دفعت بعض الباحثين إلى الطعن في أصالة الأدب الجاهلي، ورميه بالضعة والانتحال، كما سيأتي الحديث عن ذلك بالتفصيل إن شاء الله.

وقد اختلف الباحثون في أمر هذه اللغة التي جاء بها الأدب الجاهلي؛ تلك اللهجة التي كان لها الحظ، فأصبحت لغة الأدب من بين اللهجات العربية المختلفة في الشمال والجنوب، فالمعروف أن العرب كانوا قسمين: القحطاني والعدناني. والجميع وإن كانوا عربًا من أصل

<<  <   >  >>