للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[حياتهم ومعيشتهم]

هذه القبائل العربية بفرعيها العظيمين الجنوبي والشمالي، كانت موزعة في شبه الجزيرة العربية بين ربوع صحاريها الواسعة، ومدنها وقراها التي سبق أن أشرنا إلى بعضها. فمن كان يسكن المدن والقرى كانوا يسمون "الحضر" ومن كان ينزل في البادية كانوا يسمون "البدو" وكان لكل من هذين النوعين أسلوب خاص في الحياة المعيشية. أوجدته ظروف البيئة التي كانت تحيط به.

فالحضر، وهم سكان المدن، والقرى كانوا يعيشون على موارد ثابتة من الرزق كالزراعة والتجارة، والأولى تزدهر حيث الأرض الخصبة والمياة الغزيرة اللازمة للإنبات والزرع والسقي والاستثمار، وهذه توجد في الجهات التي تسقط فيها الأمطار بكثرة، أو تفيض فيها العيون والآبار بوفرة، وهذه الأماكن توجد في الجنوب والشرق وواحات الحجاز مثل يثرب والطائف ووادى القرى ودومة الجندل وتبوك وخيبر وتيماء. وقد كانت اليمن جنة وارفة الظلال حتى أجمع المؤرخون على امتداح غنى اليمن، وسموها بالأرض السعيدة١. يدل على هذا قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} .

فكان اليمن على وجه العموم أهل حضر، وكانت لهم مدن وقصور وأثاث ورياش، ولبسوا الخز، وافترشوا الحرير، واقتنوا آنية الذهب والفضة، وغرسوا الحدائق والبساتين، ويحكي المؤرخون عن حضارتهم وأبهتهم ما يفوق الخيال.

ويعزى رقي تلك الربوع الجنوبية السعيدة إلى عوامل عديدة، منها نصيبها الوافر من الأمطار وقربها من البحر، ومركزها الجغرافي الخطير على خط الاتصال بالهند، وكان من حاصلاتها الطيوب والمر وسواهما من طرائف العطور والأفاويه التي تستعمل توابل للطعام، أو تحرق في حفلات البلاط والمراسيم الدينية، وأجدرها بالذكر البخور، وهو أثمن البضائع التي


١ مروج الذهب جـ٢ ص ١٨٠.

<<  <   >  >>