للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[اتصالاتهم]

كان العرب الجاهليون على اتصال داخلي بعضهم ببعض، واتصال خارجي بغيرهم ممن جاورهم، أو بعد عنهم، ممن كانت تربطهم بهم روابط تستدعي هذا الاتصال. فبجانب المجالس الخاصة التي كانت تعقدها القبيلة للبحث في أمورها، وتبادل الآراء في كل ما يتصل بها وبخاصة ما كان يتطلب بحثًا عميقًا، ورأيًا جماعيًّا كانت هناك مجالس اللهو والسمر، التي يعقدونها حينما ينفضون من مشاكلهم الحيوية، وحاجاتهم اليومية، ترويحًا عن النفس، ورغبة في الإحساس بالهدوء ونعيم الحياة، حيث تكون فيها الطرائف الأدبية، والأحاديث المسلية، والأخبار، والقصص، مع الموسيقى والطرب والرقص والغناء، إلى غير ذلك من وسائل التسلية والترفيه.

كما كانت هناك اتصالات أوسع مدى تجمع بين عدة قبائل بحكم صلات ودية وروابط اجتماعية أو سياسية كالنسب والجوار والتحالف والعداوة المشتركة، أو مفاوضات المصاهرة والمصالحة بعد الحروب والمشاحنات والمنازعات. ثم هناك الاتصالات الداخلية الكبرى التي تضم عددًا كبيرًا من القبائل شماليها وجنوبيها، كلها أو معظمها، في مناسبات عامة أو على نطاق واسع، كالأسواق ومواسم الحج، وفي هذه المناسبات تعقد المجالس والندوات، وتوجد الفرص للتعارف، والتفاهم وتبادل الآراء والمشاعر، ومناقشة الأمور، ومعرفة الميول والاتجاهات، وقضاء المصالح، وتحقيق الرغبات بقدر الإمكان.

ولم يكن الجاهلي ليستطيع أن يعيش بمعزل عن العالم الخارجي، كما أن العالم الخارجي كذلك كان يهمه أن يكون على صلة به، فضرورات الحياة دائمًا تقتضى ذلك في جميع العصور والأحوال، فلدى كل من الجانبين ما يحتاج إليه الآخر، ومن ثم كان لا بد من الاتصال الخارجي تبعًا لاحتكاك المصالح، وتبادل المنافع.

وقد كان في شبه الجزيرة العربية منتجات وبخاصة في الجنوب وعلى الشواطئ وهذه لا بد من تصريف ما يفيض منها على حاجة السكان في مناطق الإنتاج، كما كان العرب محتاجين إلى كثير من منتجات البلاد الخارجية، هذا إلى أن البلاد العربية كانت بحكم موقعها

<<  <   >  >>