للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ١.

وقوله: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} أي: يَنْزِلُها، كلَّ ليلة ينْزل منها واحدة، إلى أن يصغر جدًّا فيكون كالعرجون القديم، أي: كعذقة النخل إذا قدم وجفَّ وصغر حجمه وانحنى، ثمَّ يُهلُّ في أول الشهر ويبدأ يزيد شيئاً فشيئاً حتَّى يتمَّ نورُه ويتسق ضياؤه، فما أعظمها من آية، وما أوضحها من دلالة على عظمة الخالق، وعظمة أوصافه سبحانه، ولا ريب أنَّ التَّأملَ في هذه الآية وغيرها مِمَّا دعا الله عباده في كتابه إلى التفكر فيها وتأمُّلها يهدي العبدَ إلى العلم بالربِّ سبحانه بوحدانيته وصفات كماله ونعوت جلاله من عموم قدرته وسعة علمه وكمال حكمته، وتعدد برِّه وإحسانه، ومن ثمَّ يُخلص الدِّينَ له ويُفردُه وحده بالذُّلِّ والخضوعِ والحبِّ والإنابة والخوف والرجاء، فهي دلائلُ ظاهرة وبراهينُ واضحة على تفرُّد الله بالربوبية والألوهية والعظمة والكبرياء.

ولِهذا كان صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلالَ كبَّر؛ لأنَّه آيةٌ عظيمة على عظمة الرَّبِّ وكبريائه، والتكبير تعظيم الله واعتقاد أنَّه أكبرُ من كلِّ شيء وأنَّه لا شيء أكبر منه، كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث عديٍّ رضي الله عنه: "فهَل من شيءٍ أكبَرُ من الله" ٢.

بل إنَّ التكبيرَ مشروعٌ عند رؤية كلِّ كبير وعظيم ليبقى القلبُ ليس فيه اشتغال إلاَّ بتكبير الله وتعظيمه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "التكبيرُ


١ سورة: يس، الآيات (٣٧ ـ ٤٠) .
٢ المسند (٤/٣٧٨) ، وصحيح ابن حبان (الإحسان) (رقم:٧٢٠٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>