للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل في أقسام ما يرجع إلى العقل]

...

"فصل"

وقد ذكر أبو زيد أقساما فيما يرجع إلى العقل فذكر أولا موجبات العقل. قال: ونعنى بالوجوب. الوجوب في الذمة حقا لله تعالى بوقوعه علينا لا وجوب الأداء والتسليم إلى الله تعالى فإن الأداء لا يجب قبل الشرع. قال: وهذه الواجبات أربعة معرفة نفسه بالعبودية ومعرفة الله بالألوهية ومعرفة العبيد الابتداء إلى حين الموت بطاعة الله على أوامره ونواهيه للجزاء الوفاق خالدين ومعرفة الدنيا وما فيها بضرب يقع يعود إليهم منها. وقال: ونعى بموجب العقل ما دل عليه العقل قطعا إذا استدل به العبد إلا أن يكون دينا يجب فعله لله تعالى لأنه يبتلى به وما يجب للحياة الدنيا لا نصفه بالوجوب عليه لحق الدنيا وإنما نصفه بالوجوب لحق الدين ويجب الأكل والشرب عليه دنيا وكذلك التنفس والتحصن من شر الأعداء ودفع الحر والبرد ولو ترك هذه الأشياء أثم وإنما جعلنا الوجوب دينا لأن ما كان لحق الدنيا فالآدمى فيه بمنزلة البهائم فلا يوصف بالوجوب وأما الجماع فحظ الدين فيه بقاء الجنس إلى قيام الساعة لأن الله تعالى حكم ببقائه إلى تلك المدة وعليه بالجماع وفرض عليه دينا للمبتغى لإقامة حكم الله تعالى لأنه لا تبديل لحكمه غير أن هذا الحكم يتأدى بجماع البعض فلم يجب على كل واحد بخلاف الأكل فإن الله حكم ببقاء كل شخص إلى خير وعلق بأكله لا بأكل غيره فتعين كل شخص بوجوب الأكل عليه دينا وطبعا. ثم إنا قلنا: إن هذه الأحكام الأربعة واجبه بالعقل دينا اله تعالى أما معرفة نفسه بالعبودية لأن قوامه باجتماع أجزاء والاجتماع عرض يضاد القدم فيلزمه الحكم على نفسه بالحدث ويعرف أنه مملوك لأن المملوك لغة ما قهر بيد الاستيلاء والآدمى مقهور بالتكوين والأشياء مقدور عليه مركب من طبائع مختلفة وأمشاج متباينة يجرى أمره على مقتضى اختلاف طبائعه وتباينها وإذا عرف أنه مملوك عرف أنه عبد لأن العبد اسم خاص للملوك من العقلاء الصالحين لفعل العبادة فإذا عرف نفسه بهذه الصفات عرف ربه ضرورة لأن كونه محدثا لا يخلو من محدث وكونه مقدورا عليه لا ينفك عن قادر وكونه مملوكا لا ينفك عن مالك وكونه عبدا لا يخلوا من إله. فإن العبد اسم لمن خلق للعبادة ولابد للعبادة من معبود والإله اسم لمن يستحق العبادة فيعرف بضرورة هذه الصفات التي ظهرت عليه من حيث لا شك فيه أن له إلها مالكا

<<  <  ج: ص:  >  >>