للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل: في قياس الشبه]

...

"فصل"

قال هذا القائل الذى حكمنا منه ما حكينا في قياس المعنى ونحن الآن نذكر مراتب قياس الشبه فنقول: محال هذا القسم عند انحسام المعنى المخيل الثابت فإذا لم نجد معنى للحكم الثابت أو صادفنا تخيل غير صحيح على الشبه فالوجه رد النظر إلى التشبيه ثم مراتب الأشباه تنقسم إلى القريب والبعيد انقسام مراتب المعنى فالواقع في المرتبة العليا هو الذى يسميه الأصوليون في المعنى الأصل ولا يريدون به المعنى المخيل وهذا إذا وقع كان في المرتبة العليا وقد سبق الاختلاف أنه هل يسمى قياسا أو هو متلقى من اللفظ والنفى والوجه عندنا في ذلك أن يقال: إن كان في اللفظ إشعار من طريق اللسان فلا نسميه قياسا كقوله صلى الله عليه وسلم: "من أعتق شركا له في عبد قوم عليه" ١ فهذا وإن كان في العبد فإنه يستعمل في الأمة وقد يقال للأمة عبدة

وأما إذا لم يكن لفظ الشارع مشعرا في وضع اللسان بما ألحق به فهو قياس معنى وقد يكون مفضيا إلى العلم مثل قياس عرق الكلب بلعابه في التعبد برعاية العدد والتعفير فأما إذا زال العلم وكان الظن هو المستفاد ولم يفسد عند السبر والعرض على الأصول فإن لم يفد غلبة الظن فهو الطرد المردود عند المحققين والإشتباه بين طرفى قياس المعنى والطرد فالذى لاح من كلام الشافعى رحمه الله أن أقرب الرتب من المرتبة المعنوية إلحاق الزبيب بالتمر في الربا وأبعد منه قليلا بحيث لا يخرج من المرتبة إلحاق الأرز بالحنطة والذرة بالشعير. ثم يلى هذه المرتبة إلحاق الوضوء بالتيمم في النية ولهذا قال الشافعي مستبعدا طهارتان فكيف يفترقان قال ونحن نقول في هذا: إن كل شبه كلى يعتضد بمعنى فهو بالغ في فنه٢ وذلك إذا كان المعنى لا يستقل بنفسه مخيلا مناسبا وبيان ذلك بما وقع المثال به أن التيمم ليس فيه غرض ناجز وقد بينا من كلى الشريعة أنها مبتنية على استصلاح العباد فإذا لم يلح صلاح ناجز ظهر من المآخذ الكلية أنها صلاح في العقبى وهو التعرض للثواب ولا سبيل إليه إلا بقصد التقرب فإذا وجدنا الطهارة كذلك متفقا عليه. ثم كان المختلف فيه غير معقول المعنى ظهر وقع الشبه في الافتقار إلى النية المحصلة لغرض العقبى فليجعل الناظر هذا معتبرا في المرتبة الأولى من الأشباه المظنونة


١ أخرجه البخاري: العتق "٥/١٧٩" ح "٢٥٢٢" ومسلم: العتق "٢/١١٣٩" ح "١/١٥٠١".
٢ لم نستطع قراءتها إلا هكذا ولعل هذا هو الصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>